للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضحْك صحيح، ثم قال: يا سهل إني أذكر في هذه الحال قول الشاعر:

وَإنِّيَ مِنْ قوْمٍ كِرامٍ يَزيدُهُمْ ... شِماسًا وَصَبْرًا شدةُ الحَدَثانِ

وذُكر عن مسرور الكبير، قال: لما حضرت الرشيد الوفاة، وأحسَّ بالموت، أمرني أن أنشر (١) الوشْيَ فآتيَه بأجود ثوب أقدر عليه وأغلاه قيمة، فلم أجد ذلك في ثوب واحد، ووجدت ثوبيْن أغلَى شيء قيمة، وجدتهما متقاربين في أثمانهما، إلَّا أنَّ أحدهما أغلَى من الآخر شيئًا، وأحدهما أحمر والآخر أخضر، فجئته بهما، فنظر إليهما وخبَّرته قيمتهما، فقال: اجعل أحسنَهما كفني، وردَّ الآخر إلى موضعه.

وقيل: كان سنُّه يوم توفِّيَ سبعًا وأربعين سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام، أولها لثلاث بقين من ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة، وآخرها يومان مضيا من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة.

وكان جميلًا وسيمًا أبيض جَعْدًا، وقد وَخطَه الشيب (٢).

* * *

ذكر بعض سيَر الرشيد

ذكر العباس بن محمد عن أبيه، عن العباس، قال: كان الرَّشيد يصلِّي في كلِّ يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا؛ إلا أن تعرض له علَّة، وكان يتصدَّق من صُلْب ماله في كلِّ يوم بألف درهم بعد زكاته، وكان إذا حجَّ حجَّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحجَّ أحجَّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة، وكان يقتفي آثار المنصور، ويطلب العمل بها إلَّا في بذل المال؛ فإنه لم يُرَ خليفة قبله كان أعطى منه للمال، ثم المأمون من بعده. وكان لا يضيع عنده إحسان محسنٍ، ولا يؤخَّر ذلك في أوَّل ما يجب ثوابه. وكان يحبُّ الشعراء والشعر، ويميل إلى أهل الأدب والفقه، ويكره المراء في الدين، ويقول: هو شيء لا نتيجة له، وبالحري ألا يكون فيه ثواب، وكان يحب المديح؛ ولا سيما من شاعر فصيح، ويشتريه بالثمن الغالي.


(١) تاريخ بغداد (١٤/ ٥) سير أعلام (٨/ ٢٨٦).
(٢) تأريخ بغداد [١٤/ ٥]، وسير أعلام [٨/ ٢٨٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>