وذكر ابن أبي حفصة أنَّ مروان بن أبي حفصة دخل عليه في سنة إحدى وثمانين ومائة يوم الأحد لثلاث خلوْن من شهر رمضان، فأنشده شعره الذي يقول فيه:
وَسُدَّتْ بِهارونَ الثُّغورُ فأُحكِمَتْ ... به مِنْ أُمورِ المُسْلِمينَ المَرائِرُ
وما انفَكَّ مَعْقودًا بنَصْرٍ لواؤُه ... له عسكرٌ عنْهُ تُشَظَّى العَساكِرُ
وكلُّ مُلوك الرومِ أَعطاهُ جِزْيَةً ... على الرغم قسْرًا عَنْ يَدٍ وهْوَ صاغرُ
لقد تَرَكَ الصَّفْصافَ هارونُ صَفْصَفًا ... كأَنْ لم يُدَمِّنْهُ مِنَ الناسِ حاضرُ
أَناخَ على الصَّفْصافِ حتى اسْتباحَهُ ... فكابَرَهُ فيها أَلجُّ مُكابرُ
إِلى وجْهه تسمو العُيُون ومَا سمَتْ ... إِلى مثلِ هارونَ العيونُ النَّواظرِ
ترى حَوْلهُ الأَملاكَ مِنْ آل هاشِمٍ ... كما حَفَّتِ البَدْرَ النجومُ الزَّواهرُ
يَسُوقُ يَدَيْهِ مِنَ قُرَيْش كِرَامُها ... وكِلتاهُما بَحْرٌ على الناس زاخرُ
إِذا فقدَ الناسُ الغمامَ تتابَعَتْ ... عليْهمْ بكَفَّيْكَ الغُيُومُ المواطِرُ
على ثِقَةٍ أَلقَتْ إِليْكَ أُمورَها ... قُرَيْش، كما ألقى عَصاهُ المُسافِرُ
أُمورٌ بِميراثِ النبيِّ وَليتَها ... فَأَنتَ لها بالْحَزمِ طاوٍ وَناشِرُ
إِليكُم تناهَتْ فاستَقَرَّتْ وَإِنَّما ... إِلى أَهلهِ صارَتْ بِهِنَّ المَصايرُ
خلَفْتَ لنا المَهْدِيَّ في العَدْلِ وَالنَّدى ... فلا العُرْفُ منزُورٌ ولا الحُكْمُ جائِرُ
وَأَبناءُ عَبَّاسٍ نُجومٌ مضيئَة ... إذا غابَ نجْمٌ لاحَ آخَرُ زاهرُ
عليَّ بَنِي ساقي الحَجِيج تتابعَتْ ... أَوَائلُ منْ مَعْروفكمْ وأَواخِرُ
فأَصْبحْتُ قد أَيْقَنْتُ أَنْ لسْتُ بالغًا ... مَدَى شُكْر نُعْماكُمْ وَإني لَشاكِرُ
وما الناسُ إلا وَارِدٌ لحِياضكم ... وَذُو نَهَل بالرِّيِّ عنهنَّ صادرُ
حُصُونُ بَنِي العَباسِ في كلِّ مَأْزِق ... صُدور العوالي والسُّيوفُ البَواتِرُ
فَطَوْراُ يَهُزُّونَ القَواطِعَ والقَنا ... وَطَوْرًا بأَيدِيهِمْ تُهَزُّ المَخَاصِرُ
بَأَيْدِي عظام النَّفْعِ والضَّر لاتَنِي ... بِهْم للعَطايا والمَنايا بَوادِرُ
لِيَهنِكُمُ المُلكُ الذي أَصبحَتْ بِكمْ ... أَسِرَّتُهُ مُخْتالَةً والمَنابرُ
أَبوكَ وَليُّ المُصْطَفى دونَ هاشِمٍ ... وِإنْ رَغَمتْ مِنْ حاسِدِيك المَناخِرُ
فأعطاه خمسة آلاف دينار، فقبضها بين يديه وكساه خلعته، وأمر له بعشرة من رقيق الروم، وحمله على برْذون من خاصِّ مراكبه.