{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيهِ أَبَوَيهِ} واجتمع بهما خصوصًا وحدهما دون إخوته، {وَقَال ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى الْعَرْشِ}. ورفعهما على العرش، أي أجلسهما معه على سريره: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} أي سجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر، تعظيمًا وتكريما وكان هذا مشروعا لهم، ولم يزل ذلك معمولًا به في سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا. {وَقَال يَاأَبَتِ هَذَا تَأْويلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} أي هذا تعبير ما كنت قصصته عليك: من رؤيتي الأحد عشر كوكبًا والشمس والقمر، حين رأيتهم لي ساجدين، وأمرتني بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} أي بعد الهم والضيق، جعلني حاكمًا نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْو} أي البادية. وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخَليل {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيطَانُ بَينِي وَبَينَ إِخْوَتِي} أي فيما كان منهم من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره. ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} أي إذا أراد شيئًا هيَّأ أسبابه، ويسرها وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد، بل يقدرها وييسّرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته. {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بالأمور {الْحَكِيمُ} في خلقه وشرعه وقدره. ثم لما رأى يوسف - عليه السلام - نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع، وعرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار، وأن كل شيء فيها ومن عليها فإن، وما بعد التمام إلَّا النقصان، فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله، وسأل منه - وهو خير المسؤولين - أن يتوفاه، أي حين يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بعباده الصالحين، وهكذا كما يقال في الدعاء: "اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين" أي حين تتوفانا. اهـ كلام ابن كثير بتصرف.