وكان السبب في ذلك - فيما ذُكر - أنّ نِيزَك طرخان لما غدر وخَلَع قتيبة وعزَم على حَربه، طابَقَه على حربه مَلِك الطالَقان، وواعَدَه المصيرَ إليه منَ استجاب للنهوض معه من الملوك لحرب قُتيبة، فلما هَرَب نِيزَك من قتيبة ودخل شِعب خُلم الذي يأخذ إلى طُخارِستان عَلِم أنه لا طاقةَ له بقُتيبة، فهَرَب، وسار قُتيبةُ إلى الطالقان فأوقع بأهلها، ففعل ما ذكرتُ فيما قبل.
وقد خُولف قائلُ هذا القول فيما قال من ذلك، وأنا ذاكرُه في أحداث سنة إحدى وتسعين. (٦/ ٤٤٧).
[هرب يزيد بن المهلب وإخوته من سجن الحجاج]
* ذكر الخبر عن سبب تخلّصهم كمن سجن الحجّاج ومسيرِهم إلى سليمان:
قال هشام: حدّثني أبو مِخنَف، عن أبي المُخارق الراسبيّ، قال: خرج الحجّاج إلى رُسْتُقْباذ للبَعْث, لأنّ الأكرادَ كانوا قد غلبوا على عامة أرضِ فارسَ، فخرج بيزيدَ وبإخوانه المفضّل وعبد الملك حتى قَدِم بهم رستقْباذ؛ فجعلهم في عسكرِه، وجعل عليهم كهَيْئة الخَنْدق، وجَعَلَهم في فُسطاط قريبًا من حُجرته، وجعل عليهم جَرَسًا من أهل الشام، وأغرَمَهم ستّة آلافِ ألف، وأخذ يعذّبهم، وكان يزيدُ يَصبِر صبرًا حَسَنًا، وكان الحجّاج يَغيظُه ذلك، فقيل له: إنه رُمي بنُشابة فثَبَت نصلُها في ساقه، فهو لا يمسّها شيء إلا صاح، فإن حرّكت أدنى شيء سمعْت صوتَه، فأمَر أن يعذَّب ويُدهَق ساقُه، فلما فُعل ذلك به صاحَ، وأخته هند بنت المهلب عند الحجّاج، فلما سمعتْ صيِاحَ يزيدَ صاحتْ وناحتْ، فطلّقها، ثمّ إنه كفّ عنهم، وأقبَل يستأدِيهم، فأخذوا يؤدّون وهم يَعمَلون في التخلّص من مكانهم، فبعثوا إلى مروانَ بن المهلب، وهو بالبَصْرة يأمرونه أن يضمرّ لهم الخيل، ويُرِي الناسَنه إنما يريد بيعَها ويَعرِضها على البيع، ويُغلى بها لئّلا تُشتَرى فتكون لنا عُدَّة إن نحن قَدرنا على أن ننجوَ مما ها هنا، ففعل ذلك مروان، وحبيب بالبَصرة يعذب أيضًا، وأمر يزيدُ بالحَرَس فصُنع لهم طعام كثير فأكَلوا؛ وأمَر بشراب فسُقُوا، فكانوا متشاغلين به، ولبسَ يزيدُ ثيابَ طَبّاخه، ووضَع على لحيته لحية بَيْضاء، وخرج فرآه بعضُ الحرس