للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت واحد في جزء واحد- كان معلومًا يقينًا أنه لا بد [من] أن يكونَ أحدُهما كان قبل الآخر منهما؛ وأيَّهما كان منهما قبل صاحبه فإن الآخر منهما كان لا شك بعده، وذلك إبانةٌ ودليل علي حدوثهما، وأنهما خلقان لخالقهما.

ومن الدلالة أيضًا علي حدوث الأيام والليالي أنه لا يومَ إلا وهو بعدَ يوم كان قبله، وقبل يوم كائن بعده، فمعلوم أن ما لم يكن ثم كان، أنه محدَث مخلوق، وأنَّ له خالقًا ومحدِثًا.

وأخرى، أن الأيام والليالي معدودة، وما عدَّ من الأشياء فغير خارج من أحد العددين: شفع أو وتر؛ فإن يكن شفعًا فإن أولها اثنان، وذلك تصحيح القول بأن لها ابتداء وأولًا، وإن كان وترًا فإنَّ أولها واحد، وذلك دليل علي أن لها ابتداء وأوّلًا، وما كان له ابتداء فإنه لا بد له من مبدئ، هو خالقه (١). (١: ٢٠/ ٢١).

[القول في الإبانة عن فناء الزمان والليل والنهار وأن لا شيء يبقي غير الله تعالى ذكره]

والدلالة علي صحة ذلك قول الله تعالى ذكره: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧) وقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إلا هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ}.

فإن كان كلُّ شيء هالك غير وجهه -كما قال جلّ وعزّ- وكان الليل والنهار ظلمة أو نورًا خلَقهما لمصالح خَلْقه، فلا شك أنهما فانيان هالكان، كما أخبر؛ وكما قال: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)} يعني بذلك أنها عُمِّيت فذهب ضوءها، وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يُحتاج إلي الإكثار فيه؛ إذ كان مما يدين بالإقرار به جميعُ أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، وإنما ينكرُه قومٌ من غير أهل التوحيد، لم نقصِد بهذا الكتاب قصدَ الإبانة عن خطأ قولهم. فكلّ الذين ذكرنا عنهم أنهم مُقِرُّون بفناء جميع العالم حتى لا يبقي غيرُ القديم الواحد، مقرّون بأن الله عزّ وجلَّ محييهم بعد فنائهم، وباعثهم بعد هلاكهم، خلا قومٍ من عَبَدة الأوثان، فإنهم يُقرون بالفناء، وينكرون البعث (٢). (١: ٢٧).


(١) صحيح.
(٢) صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>