وكان قرْبَ سَريرِ الملكِ مَجلِسُهُ ... فَقَدْ تباعدَ منه بعدَ ما اقتربا
وكان في نِعَيم زالت وكان له ... بابٌ يُزارُ فأَمسى اليومَ مُحْتَجَبَا
أَمسَى وحيدًا وقد كانتْ مواكبُه ... عشرينَ ألفًا تراهمْ خلفَهُ عُصَبا
أَين الصُّفوفُ الَّتي كانت تقومُ له ... كما يقومُ إذا ما جاءَ أو ذهبا
وذلَّ بعدَ تَمادِيهِ ونَخْوَتِهِ ... كالحوتِ أصبح عنه الماءُ قد نَضَبَا
وقد فسَخْتَ عن الأَعناقِ بَيعَتَهُ ... فلا خطيبَ له يدعو إذا اختطبا
لَقَّبتَهُ لَقبًا من بعدِ إِمْرَتِهِ ... والله بدَّلهُ بالإِمْرَةِ اللَّقبَا
كَسَوْتَهُ ثوبَ عزٍّ فاستهانَ بِهِ ... ولم يَصُنهُ فأَمْسَى عنه مُغتَصَبا
كم نعمةٍ لَكَ فيها كنتَ تشركَه ... واللهُ أخرجهُ منها بما اكتسبَا
شبّهتَهُ بِسراجٍ كانَ ذا لَهَبٍ ... فما ترَكتَ له نورًا ولا لهبًا
أَمسَتْ قطيعةُ إبراهيمَ قد قَطَعتْ ... حبلَ الصَّفاء وحبل الوُدِّ فانقَضبا
وما تؤاخِذُ يا حِلفَ النَّدَى أحدًا ... حَتَّى تُبيّن فيه النَّكثَ والرِّيَبَا
إني بمدْح بني العباس ذُو حسبٍ ... وكان مدْح بني العباسِ لي حَسبا
إنَّ التُّقَى يا بنِي العبَّاس أدَّبكمْ ... حتى استفادتْ قريش منكُمُ الأَدبا
مَنْ كان مُقتَضبًا في حوْلِ مدحكمُ ... فلستُ فيه بحمْدِ اللهِ مُقتضَبَا
* * *
[أمر المعتزّ مع أهل بغداد]
ذُكر عن أبي عبد الرحمن الفانيّ أنّ فتىً من أهل سامُرّا أملى عليه مما عمله بعض أهلها عن ألسن الأتراك أن المعتزّ لمّا أفضت إليه الخلافة، وقلده الله القيام بأمر عباده في المشارق والمغارب، والبرّ والبحر، والبدو والحضر، والسهل والجبل، تألّم بسوء اختيار أهل بغداد وفتنتهم، فأمر المعتزّ بالله بإحضار جماعة ممّن صَفَتْ أذهانهم، ورقَّتْ طبائعهم، ولطف ظَنُّهم، وصحَّتْ نحائزهم، وجادت غرائزهم، وكملت عقولهم بالمشورة، فقال أمير المؤمنين: أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقهم، وغار شأوُهم؛ الهَمَج الطغام، والأوغاد الذين لا مُسْكَة بهم، ولا اختيار لهم، ولا تمييز معهم؛ قد زيّن لهم تقحّمُ الخطأ سوءَ أعمالهم، فهم الأقلُّون وإن كَثروا والمذمومون إن ذُكروا؛ وقد علمت أنه