قال محمد بن الحسن: قال محمد بن حمّاد: ولمّا كثر أسارى الزَّنج عند الموفّق، أمر باعتراضهم؛ فمَنْ كان منهم ذا قوّة وجَلد ونهوض بالسلاح منّ عليه، وأحسن إليه، وخلطه بغلمانه السودان، وعرّفهم ما لهم عنده من البرّ والإحسان، ومَن كان منهم ضعيفًا لا حَراك به، أو شيخًا فانيًا لا يُطيق حمل السلاح، أو مجروحًا جراحة قد أزَمَنَتْه، أمر بأن يكْسىَ ثَوبين، ويوصَل بدراهم، ويزوّد ويحمل إلى عسكر الخبيث؛ فيلقى هناك بعدما يؤمر بوصف ما عاين من إحسان الموفّق إلى كلّ مَن يصير إليه، وأنّ ذلك رأيه في جميع مَنْ يأتيه مستأمِنًا ويأسره منهم؛ فتهيّأ له من ذلك ما أراد من استمالة أصحاب صاحب الزَّنْج؛ حتى استشعروا الميل إلى ناحيته والدخول في سِلْمه وطاعته؛ وجعل الموفّق وابنه أبو العباس يغاديان حرب الخبيث ومَنْ معه، ويراوحانها بأنفسهما ومَنْ معهما، فيقتلان ويأسران ويجرحان، وأصاب أبا العباس في بعض تلك الوقعات سهم جرحه فبرأ منه.
* * *
[[ذكر الخبر عن قتل بهبوذ بن عبد الوهاب]]
وفي رجب من هذه السنة قتِل بهبوذ صاحب الخبيث.
* ذكر الخبر عن سبب مقتله:
ذُكر: أن أكثر أصحاب الفاسق غارات، وأرشدهم تعرّضًا لقطع السبيل وأخذ الأموال كان بهبوذ بن عبد الوهاب، وكان قد جمع من ذلك مالًا جليلًا، وكان كثير الخروج في السميريّات الخِفاف، فيخترق الأنهار المؤدّية إلى دِجْلة، فإذا صادف سفينةً لأصحاب الموفّق أخذها فأدخلها النهر الذي خرج منه، فإن تبعه تابع حتى توغَّل في طلبه خرج عليه من النّهر قوم من أصحابه قد أعدَّهم لذلك، فاقتطعوه وأوقَعوا به؛ فلما كثر ذلك وتُحُرِّزَ منه ركب شذَاةً، وشبّهها بشذوات الموفّق، ونصب عليها مثل أعلامه، وسار بها في دِجْلة، فإذا ظفر بِغرّة من أهل العسكر أوْقع بهم، فقتَل وأسر، ويتجاوز إلى نهر الأبُلّةِ ونهر مَعْقِل وبَثْق شيرين ونهر الدير فيقطع السبل، ويعبث في أموال السابلة ودمائهم؛ فرأى الموفّق عندما انتهى إليه من أفعال بَهْبوذ أن يَسكر جميع الأنْهار التي يخفّ سَكْرُها، ويرتّبَ