وإبلًا وغنمًا، وأنهم في مؤخّر نهر الأمير ينتظرون سفنًا تأتيهم من مؤخّر عسكر الفاجر تحملهم وما معهم، فسرَى إليهم رشيق في الشَّذَا، فوافى الموضع الذي كانوا حلّوا به، وهو النّهر المعروف بالإسحاقيّ، فأوقع بهم وهم غارّون، فقُتِل أكثرُهم وأسِر جماعة منهم وهم تجار كانوا خرجوا من عسكر الخبيث لجلْب المِيرة، وحوى ما كان معهم من أصناف المير والشاء والإبل والحمير التي كانوا حملوا عليها الميرة، فحمل الأسرى والرؤوس في الشَّذا وفي سفن كانت معه إلى الموفقيّة، فأمر الموفق فعلِّقت الرؤوس في الشَّذَا، وصُلِب الأسارى هنالك؛ وأظهر ما صار إلى رشيق وأصحابه، وطِيف بذلك في أقطار العسْكر، ثم أمر بالرؤوس والأسارى، فاجتيز بهم على عسكر الخبيث حتى عرفوا ما كان من رشيق من الإيقاع بجالبي المِيَر إليهم، ففعل ذلك، وكان فيمن ظفِر به رشيق رجل من الأعراب، كان يُسفِر بين صاحب الزَّنْج والأعراب في جلب الميرة، فأمر به الموفّق فقُطعت يدُه ورجله، وألقى في عسكر الخبيث، ثم أمر بضرب أعناق الأسارى فضرِبت، وسوّغ أصحاب رشيق ما أصابوا من أموالهم، وأمر لرشيق بخلع وصِلة، وردّه إلى عسكره، فكثر المستأمنون إلى رشيق، فأمر أبو أحمد بضمّ مَنْ خرج منهم إلى رشيق إليه، فكثُروا حتى كان كأكثر العساكر جمعًا، وانقطعت عن الخبيث وأصحابه المِيَر من الوجوه كلّها، وانسدّ عليهم كلُّ مسلك كان لهم، فأضرَّ بهم الحِصار، وأضعف أبدانهم؛ فكان الأسير منهم يُؤسر؛ والمستأمِن يُستأمَن، فيسألُ عن عهده بالخبز، فيعجب من ذلك؛ ويذكر أنّ عهده بالخبز مذ سنة وسنتين، فلما صار أصحاب الخائن إلى هذه الحال، رأى الموفّق أن يتابع الإيقاع بهم، ليزيدهم بذلك ضُرًّا وجهدًا، فخرج إلى أبي أحمد في هذا الوقت في الأمان خلْق كثير، واحتاج مَنْ كان مقيمًا في حيّز الفاسق إلى الحيلة لقوته، فتفرّقوا في القُرى والأنهار النائية عن معسكرهم في طلب القوت، فتأدّى الخبر بذلك إلى أبي أحمد، فأمر جماعةً من قوّاد غلمانه السودان وعُرفائهم بأن يقصدوا المواضع التي يعتادها الزَّنْج، وأن يستميلوهم ويستدعوا طاعتَهم؛ فمَنْ أبَى الدّخولَ منهم في ذلك قتلوه وحملوا رأسه، وجعل لهم جُعْلًا؛ فحرصوا وواظبوا على الغدوّ والرواح؛ فكانوا لا يخلون في يوم من الأيام من جماعة يجلبونهم، ورؤوس يأتون بها، وأسارى يأسرونهم.