للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أمتك. قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلا قَلِيلٌ} هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة ليلًا ونهارًا بضروب المقال وفنون المتلطفات والتهديد والوعيد تارة والترغيب والوعد أخرى.
قال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيرُ الْمُنْزِلِينَ}.
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه، كما قال تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيتُمْ عَلَيهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}.
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمر: أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبته محمودة، كما قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}.
وقد امتثل نوح - عليه السلام - هذه الوصية وقال: {وَقَال ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وذو عقاب أليم، مع كونه غفورًا رحيمًا، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.
قال الله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطرًا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده، كان كأفواه القِرَب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها كما قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} والدسر: المسامير {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}.

[نهاية الطوفان]:
{وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
أي: لما فرغ من أهل الأرض، ولم يبق بها أحد ممن عبد غير الله عزَّ وجلَّ، أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر {وَغِيضَ الْمَاءُ} أي نقص عما كان {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي وقع بهم الذي كان قد سبق في علمه وقدره، من إحلاله بهم ما حل بهم، {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي نودي عليهم بلسان القدرة: بعدًا لهم من الرحمة والمغفرة. كما قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَينَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ}. وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّينَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}. وقال تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>