شرب فاخرج وخلِّنِي وإياه، ففعل ذلك الفضل بن الربيع؛ وقعد إبراهيم للشراب، ثم وثب حين وثب الفضل بن الربيع للقيام، فقال له الرشيد: مكانك يا إبراهيم، فقعد، فلما طابت نفسه، أومأ الرّشيد إلى الغلمان فتنحّوْا عنه، ثم قال: يا إبراهيم، كيف أنت وموضع السرّ منك؟ قال: يا سيّدي إنما أنا كأخصّ عبيدك، وأطوع خدمك؛ قال: إنّ في نفسي أمرًا أريد أن أودعَكه، وقد ضاق صدري به، وأسهرتُ به ليلي، قال: يا سيدي إذًا لا يرجع عني إليك أبدًا، وأخفيه عن جنبي أن يَعلمه، ونفسي أن تذيعه. قال: ويحك! إني ندمت على قتل جعفر بن يحيى ندامةً ما أحسن أن أصفَها، فوددت أني خرجت من مُلْكِي وأنه كان بقي لي؛ فما وجدت طعم النوم منذ فارقتُه، ولا لذّة العيش منذ قتلته! قال: فلما سمعها إبراهيم أسبل دمعه، وأذرى عبرته، وقال: رحم الله أبا الفضل، وتجاوز عنه! والله يا سيدي لقد أخطأتَ في قتله، وأوطِئت العَشْوة في أمره! وأين يوجد في الدنيا مثله! وقد كان منقطع القرين في الناس أجمعين دينًا. فقال الرشيد: قم عليك لعنة الله يا بن اللخناء! فقام ما يعقل ما يطأ، فانصرف إلى أمه، فقال: يا أمّ، ذهبت والله نفسي، قالت: كلّا إن شاء الله، وما ذاك يا بنيّ؟ قال: ذاك أنّ الرشيد امتحننِي بمحنة والله، ولو كان لي ألف نفسي لم أنجُ بواحدة منها. فما كان بين هذا وبين أن دخل عليه ابنه - فضربه بسيفه حتى مات - إلا ليالٍ قلائل.
وحج بالناس في هذه السنة عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي.
* * *
[ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائة ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث]
فمما كان فيها من ذلك غزو إبراهيم بن جبريل الصائفة، ودخوله أرض الروم من درب الصفصاف فخرج للقائه نقفور، فورد عليه من ورائه أمر صرفه عن لقائه