لا جَبرَ اللهُ أُمةً فَقَدَتْ ... مِثلِكَ إلا بمثل هارون
وقال مَرْوان بن أبي الجنوب وهو ابن حفصة:
أبو إسحاقَ ماتَ ضحىً فمتنا ... وأَمسينا بهارون حُيِينا
لئن جاءَ الخميسُ بماكرهنا ... لقد جاءَ الخميسُ بما هوينا
* * *
[ذكر الخبر عن بعض أخلاق المعتصم وسيره]
ذُكر عن ابن أبي دواد أنه ذكر المعتصم بالله، فأسهب في ذكره، وأكثر في وصفه، وأطنب في فضله، وذكرَ من سعة أخلاقه وكرَمَ أعراقه وطيب مرْكَبِه ولين جانبه، وجميل عشرته؛ فقال: قال لي يومًا ونحن بعمُّوريّة: ما تقول في البُسْر يا أبا عبد الله؟ قلت: يا أمير المؤمنين؛ نحن ببلاد الروم والبُسر بالعراق؛ قال: صدقت قد وجَّهت إلى مدينة السلام، فجاءوا بكِبَاستَيْن، وعلمت أنك تشتهيه. ثم قال: يا إيتاخ، هات إحدى الكِبَاستين، فجاء بكباسة بُسْر، فمد ذراعه، وقبض عليها بيده، وقال: كُلْ بحياتي عليك من يدي، فقلت: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين! بل تضعها فآكل كما أريد، قال: لا والله إلّا من يدي، قال: فو الله ما زال حاسرًا عن ذراعه، ومادًّا يده، وأنا أجتني من العِذْق، وآكلُ حتى رمى به خاليًا ما فيه بُسرة.
قال: وكنت كثيرًا ما أزامله في سفره ذلك؛ إلى أن قلت له يوميًا: يا أمير المؤمنين، لو زاملك بعضُ مواليك وبطانتك فاسترحتَ مني إليهم مرّة، ومنهم إليّ مرة أخرى، كان ذلك أنشط لقلبك، وأطيب لنفسك، وأشدّ لراحتك؛ قال: فإنّ سِيما الدمشقيَ يزاملني اليوم، فمن يزاملك أنت؟ قلت: الحسن بن يونس، قال: فأنت وذاك. قال: فَدعوت الحسن فزاملني. وتهيّأ أن ركب المعتصم بغلا، فاختار أن يكون منفردًا، قال: فجعل يسير بسير بعيري؛ فإذا أراد أن يكلمني رفع
= وهذا يعني أن المؤرخين والأخباريين المتقدمين اتفقوا على أنه توفي سنة ٢٢٧ هـ في شهر ربيع الأول مع اختلافهم لإحدى عشرة بقيت من الشهر ومع فارق يسير لا يضر والله أعلم.