ذُكر أن ظهور بابك كان في سنة إحدى ومائتين، وكانت قريتهُ ومدينتهُ البَذ؛ وهزم من جيوش السلطان، وقتلَ من قواده جماعة فلما أفضى الأمر إلى المعتصم، وجه أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل، وأمره أن يبني الحصونَ التي خربها بابك فيما بين زَنْجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرَة إلى أَردَبيل، فتوجَّهَ أبو سعيد لذلك، وبنى الحصون التي خرَّبها بابك، ووجهَ بابك سريّة لهُ في بعض غاراته، وصيَّرَ أميرهم رجلًا يقال لهُ معاوية؛ فخرج فأغار على بعض النواحي، ورجعَ منصرفًا؛ فبلغَ ذلكَ أبا سعيد محمد بن يوسف، فجمعَ الناسَ وخرج إليهِ يعترضه في بعض الطريق، فواقعهُ، فقتل من أصحابهِ جماعة وأسر منهم جماعة، واستنقذ ما كان حواه؛ فهذه أول هزيمة كانت على أصحاب بابك. ووجَّهَ أبو سعيد الرؤوس والأسرى إلى المعتصم.
ثم كانت الأخرى لمحمد بن البعيث؛ وذلكَ أن محمد بن البعيث كان في قلعة له حصينة تسمى شاهى؛ كان ابن البعيث أخذها من الوجناء بن الرَّوَّاد، عرضها نحو من فرسخين، وهي من كورة أذْرَبِيجان، وله حصن آخر في بلاد أذربيجان يسمى تبْريز، وشاهى أمنعهما؛ وكان ابن البعيث مصالحًا لبابك، إذا توجهت سراياه نزلت به. فأضافهم، وأحسنَ إليهم حتى أنسوا به، وصارت لهم عادة. ثم إنَّ بابك وجَّهَ رجلًا من أصحابهِ يقالُ لَهُ عِصْمَة من أصبهبذته في سرية، فنزل بابن البعيث، فأنزل إليه ابن البعيث على العادة الجارية الغنم والأنزال وغير ذلك، وبعث إلى عصمة أن يصعد إليهِ في خاصَّتهِ ووجوهِ أصحابه، فصعد فغدَّاهم وسقاهم حتى أسكرهم ثم وثبَ على عصمة فاستوثقَ منهُ، وقتل مَن كانَ معهُ من أصحابهِ، وأمرهُ أن يسمِّي رجلًا رجلًا من أصحابهِ باسمهِ؛ فكانَ يُدعى بالرجل فيصعد، ثم يأمر بهِ فيضرب عنقه؛ حتى علموا بذلك؛ فهربوا، ووجَّهَ ابن البعيث بعصمة إلى المعتصم - وكان البعيث أبو محمد صعلوكًا من صعاليك ابن الرَّواد - فسأل المعتصم عصمة عن بلاد بابك، فأعلمه طُرقها ووجوه القتال فيها؛ ثم لم يزل عصمة محبوسًا إلى أيامِ الواثق. ولما صار الأفشين إلى بَرَزنَد عسكر