ووضع مرتبته، فارتفعت أصواتُهم جميعًا بالدّعاء للموفق والإقرار بإحسانه، وبما هم عليه من صحة الضمائر في السمع والطاعة والجدّ في مجاهدة عدوّه، وبذل دمائهم ومُهجهم في كلّ ما يقرِّبهم منه، وأن ما دعاهم إليه قد قوَّى نيَّتَهم، ودلهم على ثقته بهم وإحلاله إياهم محلَّ أوليائه، وسألوه أن يُفردهم بناحية يحاربون فيها، فيظهر من حسن نيَّاتهم ونكايتهم في العدوّ ما يعرف به إخلاصَهم وتورّعهم عما كانوا عليه من جهلهم، فأجابهم الموفّق إلى ما سألوا، وعرّفهم حُسن موقع ما ظهر له من طاعتهم، وخرجوا من عنده مبتهجين بما أجيبوا به من حسن القول وجميل الوعد.
* * *
[خبر دخول الموفّق مدينة صاحب الزنج وتخريب داره]
وفي ذي القعدة من هذه السنة دخل الموفّق مدينة الفاسق بالجانب الشرقيّ من نهر أبي الخصيب، فخرّب داره، وانتهب ما كان فيها.
* ذكر الخبر عن هذه الوقعة:
ذكر أن أبا أحمد لما عزم على الهجوم على الفاسق في مدينته بالجانب الشرقيّ من نهر أبي الخصيب، أمر بجمع السفن والمعابر من دِجْلة والبَطيحة ونواحيها ليضيفها إلى ما في عسكره؛ إذ كان ما في عسكره مقصّرًا عن الجيش لكثرته، وأحصى ما في الشَّذَا والسُّميريات والرّقيَّات التي كانت تعبر فيها الخيل، فكانوا زهاء عشرة آلاف ملّاح، ممن يجري عليه الرزق من بيت المال مشاهرة، سوى سفن أهل العسكر التي يحمل فيها المِيرة، ويركبها الناس في حوائجهم، وسوى ما كان لكلّ قائد ومن يحضر من أصحابه من السمَيريات والجريبيات والزّواريق التي فيها الملاحون الراتبة، فلمَّا تكاملت له السفن والمعابر، ورضى عددَها، تقدّم إلى أبي العباس وإلى قوّاد مواليه وغلمانه في التأهب والاستعداد للقاء عدوّهم، وأمر بتفرقة السفن والمعابر إلى حمل الخيل والرّجالة، وتقدّم إلى أبي العباس في أن يكون خروجه في جيشه في الجانب الغربيّ من نهر أبي الخصيب، وضمّ إليه قوّادًا من قُوّاد غلمانه في زُهاء ثمانية آلاف من أصحابهم، وأمره أن يعمد مؤخّر عسكر الفاسق حتى يتجاوز دار المعروف