يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفًا يترقب، أي يتلفت، وخشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها. {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} أي أتجه له طريق يذهب فيه، {قَال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلى مقصود وأي مقصود.
[اتصاله بالابنتين وأبيهما الشيخ]: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} وكانت بئرًا يسقون منها، ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب - عليه السلام -، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء. ولما ورد الماء المذكور {وَجَدَ عَلَيهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ} أي تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس. {قَال مَا خَطْبُكُمَا قَالتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيخٌ كَبِيرٌ} أي لا نقدر على ورود الماء إلَّا بعد صدور الرعاء، لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره. قال الله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا}. قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من ورْدِهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة، فتجيء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلَّا عشرة، وإنما استقى ذَنوبًا واحدًا فكفاهما. ثم تولى إلى الظل، {فَقَال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيرٍ فَقِيرٌ}. {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيهِ الْقَصَصَ قَال لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قَالتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَال إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَينِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قَال ذَلِكَ بَينِي وَبَينَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَينِ قَضَيتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: ٢٥ - ٢٨]. لما جلس موسى - عليه السلام - في الظل وقال: {فَقَال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيرٍ فَقِيرٌ} فذهبتا إلى أبيهما فأخبرتاه بما كان من أمر موسى - عليه السلام -. فأمر إحداهما، أن تذهب إليه فتدعوه: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} أي مشي الحرائر، {قَالتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيتَ لَنَا} صرحت بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيهِ الْقَصَصَ} وأخبره خبره وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فرارًا من =