نعم، فأتى حيّان الإصبهبذ فقال: أنا رجلٌ منكم، وإن كان الدين قد فرَّق بيني وبينكم، فإني لكم ناصح، وأنت أحبّ إليّ من يزيد، وقد بعث يَستمدّ، وأمدادهُ منه قريبة، وإنما أصابوا منه طَرفًا، ولستُ آمَن أن يأتيك ما لا تقومُ له، فأرحْ نفسَك منه، وصالحْه فإنك إن صالَحته صيَّر حدَّه على أهل جُرجْان، بغدرهم وقتلهم مَن قتلوا، فصالَحه على سبعمئة ألف - وقال عليّ بن مُجاهد: على خمسمئة ألف - وأربعمئة وقرْ زَعفران أو قيمته من العَينْ، وأربعمئة رجل، على رجل كل بُرْنس وطَيْلَسان، ومع كلّ رجل جام فضّة وسَرَقة خَزّ وكِسوْة.
ثم رجع إلى يزيد بن المهلب فقال: ابعث من يحَمل صُلحهم الذي صالحتُهم عليه، قال: من عندهم أو من عندنا؟ قال: من عندهم. وكان يزيدُ قد طابتْ نفسُه على أن يُطيعهم ما سألوا، ويَرجع إلى جُرجْان فأرسَل يزيدُ من يَحمل ما صالحَهم علمِه حيَّان، وانصرف إلى جُرجْان وكان يزيدُ قد غرّم حيّانًا مئتي ألف، فخاف ألَّا يُناصِحه.
والسبب الذي له أغرم حيّان فيه ما حدَّثني عليّ بن مجاهد، عن خالد بن صبيح، قال: كنتُ مؤدبًا لولَد حيّان، فدعاني فقال لي: أكتبْ كتابًا إلى مَخلَد بن يزيد - ومَخلدَ يومئذ ببَلْخَ، ويزيدُ بمَرْو - فتناولتُ القِرطْاس فقال: اكتب: مِنْ حيّتانَ مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيدَ، فغمزني مُقاتل بن حيان ألَّا تَكتُب، وأقبلَ على أبيه فقال: يا أبتِ تَكتُب إلى مخلَد وتَبدأ بنفسك! قال: نَعَم يا بنيّ، فإن لى يَرضَ لقي ما لقي قتيبة. ثمّ قال لي: اكتُب، فكتبتُ، فبعَثَ مخلَد بكتابه إلى أبيه، فأغرم يزيدُ حيّان مئتي ألف دِرهَم. (٦/ ٥٣٩ - ٥٤١).
[فتح جرجان]
وفي هذه السنة فَتَح يزيُد جُرجْان الفتحَ الآخر بعد غدرِهم بجُنده ونقضهِم العَهْد، قال عليّ: عن الرّهط الِذين ذكَر أنهم حَدّثوه بخبر جُرْجان وطَبَرِستان: ثمّ إنّ يزيد لما صالح أهل طَبَرِستان قَصَد لجرْجان، فأعطى الله عَهْدًا؛ لئن ظَفِر بهم ألَّا يقلِع عنهم، ولا يرَفع عنهم السيفَ حتى يطحن بدمائهم، ويختبزَ من ذلك الطحينِ، ويأكل منه، فلما بلغ المَرزْبانَ أنه قد صالح الإصبهبذ وتوجه إلى جُرجان، جَمعَ أصحابَه وأتى وجاه، فتحصّن فيها، وصاحبها لا يحتاج إلى عُدَّة