الشذا إلى أبي أحمد، فأتِيَ به في وقت إفطاره، فأعلمه أنه جاء متنصّحًا راغبًا إلى الأمان، وأن الزَّنج على العبور في ساعتهم تلك إلى عسكره للبيات، وأنّ الذين ندب الفاسق لذلك أنجادهم وأبطالهم؛ فأمر أبو أحمد بتوجيه مَنْ يحاربهم إليهم ومن يمنعهم من العبور وأن يعارضوا بالشَّذا، فلما علم الزَّنج أن قد نذِر بهم انصرفوا منهزمين، فكثر المستأمنة من الزّنج وغيرهم وتتابعوا؛ فبلغ عدد مَنْ وافى عسكر أبي أحمد منهم إلى آخر شهر رمضان سنة سبع وستين ومئتين خمسة آلاف رجل من بين أبيض وأسود.
وفي شوال من هذه السنة ورد الخبر بدخول الخجُستانيّ نيسابور وانهزام عمرو بن الليث وأصحابه، فأساء السيرة في أهلها، وهدم دور آل مُعاذ بن مسلم، وضرب من قدر عليه منهم واقتطع ضياعهم، وترك ذكر محمد بن طاهر، ودعا له على منابر ما غلب عليه من مدن خراسان وللمعتمد، وترك الدعاء لغيرهما.
* * *
[[ذكر خبر الإيقاع بالزنج في هذا العام]]
وفي شوال من هذه السنة كانت لأبي العباس وقعة بالزّنج، قُتِل فيها منهم جمع كثير.
* ذكر سبب ذلك.
وكان السبب في ذلك - فيما بلغني - أنّ الفاسق انتخب من كلّ قيادة من أصحابه أهل الجلَد والبأس منهم، وأمر المهلبيّ بالعبور بهم ليبيّت عسكر أبي أحمد، ففعل ذلك، وكانت عِدّة مَنْ عبَر من الزَّنج وغيرهم زهاء خمسة آلاف رجل أكثرهم من الزنج، وفيهم نحو من مئتي قائد، فعَبرُوا إلى شرقيّ دجْلة، وعزموا على أن يصير القوّاد منهم إلى آخر النخل مما يلي السَّبَخة؛ فيكونوا في ظهر عسكر أبي أحمد، ويعبر جماعة كثيرة منهم في الشَّذَا والسُّميريّات والمعابر قبالة عسكر أبي أحمد، فإذا نشبت الحرب بينهم انكبّ مَنْ كان عبر من قوّاد الخبيث، فصار إلى السَّبخة على عسكر أبي أحمد الموفق، وهم غارّون مشاغيل بحرب مَنْ بإزائهم، وقدّر أن يتهيأ له في ذلك ما أحبه،