للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَسَطتَ لنا شَرْقًا وَغَرْبًا يَدَ العُلا ... فأَوْسَعْتَ شَرقِيًّا وَأَوْسعْتَ غَرْبِيًا

ووشَّيتَ وجْه الأَرضِ بالجُودِ والنَّدَى ... فأصبح وجْهُ الأَرضِ بالجودِ مَوْشيَّا

قَضَى اللهُ أَنْ يَصفُو لهارونَ مُلكُهُ ... وكَانَ قَضاءُ اللهِ في الخَلق مَقضِيّا

تحَلَّبَتِ الدنيا لهارونَ بالرِّضا ... فأَصبَحَ نِقْفُورٌ لهارونَ ذِمَيّا (١)

* ذكر الخبر عن سبب مقتله (٢).

ذُكر عن صالح الأعمى - وكان في ناحية إبراهيم بن عثمان بن نَهيك - قال: كان إبراهيم بن عثمان كثيرًا ما يذكر جعفر بن يحيى والبرامكة، فيبكي جزعًا عليهم، وحبًّا لهم، إلى أن خَرج من حدّ البكاء، ودخل في باب طالبي الثأر والإحَن، فكان إذا خلا بجواريه وشرب وقوي عليه النبيذ، قال: يا غلام، سيفي ذا المنيّة - وكان قد سمى سيفه ذا المنيَّة - فيجيئه غلامه بالسيف فينتضيه، ثم يقول: واجعفراه! واسيّداه! والله لأقتلنّ قاتلك، ولأثأرنّ بدمك عن قليل! فلما كثر هذا من فعله، جاء ابنه عُثمان إلى الفضل بن الربيع، فأخبره بقوله، فدخل الفضلَ فأخبر الرشيد، فقال: أدخله، فدخل، فقال: ما الذي قال الفضل عنك؟ فأخبره بقول أبيه وفعله، فقال الرشيد: فهل سمع هذا أحدٌ معك؟ قال: نعم خادمه نوال، فدعا خادمه سرًّا فسأله، فقال: لقد قال ذاك غير مرّة ولا مرتيْن، فقال الرّشيد: ما يحلّ لي أن أقتل وليًّا من أوليائي بقول غلام وخَصِيّ، لعلهما تواصَيا على هذه المنافسة؛ الابن على المرتبة، ومعاداة الخادم لطول الصحبة، فترك ذلك أيامًا، ثم أراد أن يمتحن إبراهيم بن عثمان بمحنة تُزيل الشكَّ عن قلبه، والخاطر عن وهمِه، فدعا الفضلَ بن الربيع، فقال: إني أريد محنَة إبراهيم بن عثمان فيما رفع ابنه عليه؛ فإذا رُفع الطعام فادع بالشراب، وقل له: أجب أميرَ المؤمنين فينادمك؛ إذْ كنت منه بالمحلّ الذي أنت به، فإذا


(١) هذه الأبيات مقحمة هنا وهي منسوبة لأبي العتاهية زورًا فالمعروف عن أبي العتاهية أنه شاعر زاهد ناسك والوعظ ظاهر في شعره وما كان يخشى أن يعظ الخليفة في مجلس نعيمه وعلى مائدة طعامه فكيف يقول في الرشيد هذه الأبيات التي تصفه بصفات تكاد تخرجه من البشرية والعياذ بالله راجع ما ذكر قي سيرة المنصور وما كاد الرشيد ليقبل بهذا التملق والمدح الخارج عن الحد ومن قرأ لأبي العتاهية يعلم أن هذه الأبيات ليست له. والله تعالى أعلم.
(٢) أي مقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك، وأصل الخبر مذكور في القسم الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>