رجلًا محتملًا، يسرّني أن يكون في أهلك مثله، فوليتَه، لما أحمدت من مذهبه، وملت إليه لأدبه واحتماله. قال: فلما أتاه الرسول بهذا أعاد إليه، فقال: إن أنت لم تقرّ عليه قتلتَ الفضل ابنك، فقال له: أنت مسلّط علينا فافعل ما أردت، على أنه إن كان من هذا الأمر شيء فالذنب فيه لي، فبمَ يدخل الفضل في ذلك! فقال الرسول للفضل: قم؛ فإنه لا بدّ لي من إنفاذ أمير المؤمنين فيكَ؛ فلم يشكّ أنه قاتله، فودّع أباه، وقال له: ألستَ راضيًا عني؟ قال: بلى، فرضي الله عنك. ففرّق بينهما ثلاثة أيام؛ فلما لم يجد عنده من ذلك شيئًا جمعهما كما كانا.
وكان يأتيهم منه أغلظ رسائل، لمَا كان أعداؤهم يقرِفونهم به عنده، فلما أخذ مسرور بيد الفضل كما أعلمه، بلغ من يحيى، فأخرج ما في نفسه، فقال له: قل له: يُقتَل ابنُك مثله. قال مسرور: فلما سكن عن الرشيد الغضب، قال: كيف قال؟ فأعدت عليه القول، قال: قد خفت والله قولَه، لأنه قلَّما قال لي شيئًا إلا رأيتُ تأويله.
وقيل: بينما الرّشيد يسير وفي موكبه عبد الملك بن صالح، إذ هتف به هاتف وهو يُساير عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، طأطئ من إشرافه وقصِّر من عنانه، واشدُدْ من شكائمه؛ وإلّا أفسد عليك ناحيته. فالتفت إلى عبد الملك، فقال: ما يقول هذا يا عبد الملك؟ فقال عبد الملك: مقال باغٍ ودسيس حاسد؛ فقال له هارون: صدقت، نَقَصَ القوم ففضلتَهم، وتَخَلَّفُوا وتقدّمتَهم؛ حتى برز شأوك، فقصّر عنه غيرُك؛ ففي صدورهم جَمرات التخلّف، وحزازات النقص. فقال عبد الملك: لا أطفأها الله وأضرمها عليهم حتى تورثهم كمدًا دائمًا أبدًا.
وقال الرشيد لعبد الملك بن صالح وقد مرّ بمنبج وبها مستقر عبد الملك:
هذا منزلك؟ قال: هو لك يا أمير المؤمنين! ولي بك. قال: كيف هو؟ ، قال: دون بناء أهلي وفوق منازل منبج، قال: فكيف ليلها؟ قال: سحرو كله.