لو يقومُ الفيلُ أَو فَيَّالهُ ... زَلَّ عن مِثلِ مقامي وزَحَلْ
قال: فقال له الرّشيد: أما والله لولا الإبقاء على بني هاشم لضربت عنقَك.
وذكر زيد بن عليّ بن الحسين العلويّ، قال: لمّا حبس الرشيد عبد الملك بن صالح، دخل عليه عبد الله بن مالك - وهو يومئذ على شُرطه - فقال: أفي إذن أنا فأتكلم؟ قال: تكلم، قال: لا، والله العظيم يا أمير المؤمنين، ما علمتُ عبدَ الملك إلا ناصحًا، فعلام حبستَه! قال: ويحك! بلغني عنه ما أوحشني ولم آمنه أن يضرب بين ابنيَّ هذين - يعني الأمين والمأمون - فإن كنتَ ترى أن نطلِقه من الحبس أطلقناه. قال: أمّا إذْ حبستَه يا أمير المؤمنين، فلست أرى في قرِب المدة أن تطلقه؛ ولكن أرى أن تحبسه محبسًا كريمًا يشبه محبس مثلِك مثله. قال: فإني أفعل. قال: فدعا الرّشيد الفضلَ بن الربيع، فقال: امضِ إلى عبد الملك بن صالح إلى محبسِه، فقل له: انظر ما تحتاج إليه في محبسك فأمُرْ به حتى يقام لك؛ فذكر قصته وما سأل.
قال: وقال الرّشيد يومًا لعبد الملك بن صالح في بعض ما كلَّمه: ما أنت لصالح! قال: فلمن أنا؟ قال: لمروان الجعديّ، قال: ما أبالي أيّ الفحْلين غلب عليّ؛ فحبسه الرّشيد عند الفضل بن الربيع، فلم يزل محبوسًا حتى تُوُفّي الرشيد، فأطلقه محمد، وعقد له على الشأم؛ فكان مقيمًا بالرّقة، وجعل لمحمد عهد الله وميثاقه: لئن قتِل وهو حيّ لا يعطي المأمون طاعةً أبدًا. فمات قبل محمد، فدُفن في دار من دور الإمارة، فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن له: حوّل أباك من داري، فنُبشَتْ عظامه وحُوّلت، وكان قال لمحمد: إن خفتَ فالجأ إليّ، فولله لأصوننَّك.
وذكر أن الرشيد بعث في بعض أيامه إلى يحيى بن خالد: إن عبد الملك بن صالح أراد الخروج ومنازعتي في الملك، وقد علمتَ ذلك، فأعلمني ما عندك فيه، فإنك إن صدقتني أعدتُك إلى حالك، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما اطّلعت من عبد الملك على شيء من هذا، ولو اطّلعت عليه لكنت صاحبه دونك؛ لأن ملكك كان ملكي، وسلطانك كان سلطاني، والخير والشرّ كان فيه عليّ ولي؛ فكيف يجوز لعبد الملك أن يطمَع في ذلك مني! وهل كنتُ إذا فعلْتُ ذلك به يَفعل بي أكثر من فعلك! أعيذك بالله أن تظنّ بي هذا الظنّ؛ ولكنَّه كان