الشذاة على فُوّهة الأنهار العظام، ليأمن عبث بهبوذ وأشياعه، ويأمن سُبلَ الناس ومسالكهم، فلمّا حُرست هذه المسالك، وسُكر ما أمكن سكرُه من الأنهار، وحِيل بين بهبوذ وبين ما كان يفعل؛ أقام منتهزًا فرْصة في غفلة أصحاب الشَّذَا الموكلين بفوّهة نهر الأبُلّة، حتى إذا وجد ذلك اجتاز من مؤخر نهر أبي الخصيب في شَذَوات مثل أصحاب الموفق وسُميريّاتهم، ونصب عليها مثل أعلامهم، وشحنها بجُلد أصحابه وأنجادهم وشجعانهم، واعترض بها في معترَض يؤدّي إلى النهر المعروف باليهوديّ، ثم سلك نهر نافذ حتى خرج منه إلى نهر الأبُلّة، وانتهى إلى الشَّذَوات والسميريّات المرتبة لحفظ النهر، وأهلها غارُّون غافلون، فأوقع بهم، وقتل جَمْعًا، وأسر أسرى، وأخذ ستّ شَذَوات، وكرّ راجعا في نهر الأبُلّة، وانتهى الخبر بما كان من بَهبوذ إلى الموفق، فأمر أبا العباس بمعارضته في الشَّذَا من النَّهر المعروف باليهوديّ، ورجا أن يسبقه إلى المعترَض فيقطعه عن الطريق المؤدّي إلى مأمنه.
فوافى أبو العباس الموضع المعروف بالمطوّعة، وقد سبق بهبوذ، فَوَلَج النهر المعروف بالسعيديّ، وهو نهر يؤدي إلى نهر أبي الخصيب، وبصر أبو العباس بشَذَوات بهبوذ، وطمع في إدراكها، فجدّ في طلبها، فأدركها ونشبت الحرب، فقتل أبو العباس، من أصحاب بَهْبوذ جَمْعًا، وأسر جمعًا، واستأمن إليه فريق منهم، وتلقى بهبوذَ من أشياعه خلق كثير، فعاونوه ودافعوا عنه دفعًا شديدًا، وقد كان الماء جزَر، فجرتْ شذواتُه في الطين في المواضع التي نَضَبَ الماء عنها من تلك الأنهار والمعترضات، فأفلت بهبوذ والباقون من أصحابه بجُريعة الذَّقَن.
وأقام الموفق على حصار الخبيث ومَنْ معه، وسدّ المسالك التي كانت المِيَر تأتيهم منها، وكثر المستأمنون منهم، فأمر الموفّق لهم بالخِلع والجوائز، وحملوا على الخيل الجياد بسروجها ولجمها وآلتها، وأجرِيت لهم الأرزاق، وانتهى الخبر إلى الموفق بعد ذلك أن الضرّ والبؤس قد أحوج جماعة من أصحاب الخبيث إلى التفرّق في القرى لطلب القوت من السمك والتمر، فأمر ابنَه أبا العباس بالمصير إلى تلك القرى والنواحي والإسراع إليها في الشذَا والسميريّات، وما خفّ من الزواريق وأن يستصحب جُلْد أصحابه وشجعانهم