للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفه حاسرًا عن ذراعه، فلما نظر إليه قال: هذه والله الذِّراع التي رأيتُها في منامي، وهذه والله الكفُّ بعينها، وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئًا؛ وأقبل على البكاء والنحيب. ثم مات بها والله بعد ثلاثة، ودفن في ذلك البستان (١).

وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع كان غلط على الرشيد في علته في علاج عالجه به، كان سبب منيَّته؛ فكان الرَّشيد همَّ ليلة مات بقتله، وأن يفصّله كما فصَّل أخا رافع، ودعا بجبريل ليفعل ذلك به، فقال له جبريل: أنظرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين، فإنك ستصبح في عافية. فمات في ذلك اليوم (٢).

وذكر الحسن بن عليٍّ الرَّبَعي أنَّ أباه حدَّثه عن أبيه - وكان جمالًا معه مائة جمل، قال: هو حمل الرشيد إلى طُوس - قال: قال الرشيد: احفروا لي قبرًا قبل أن أموت، فحفروا له، قال: فحملتُه في قبَّة أقود به؛ حتى نظر إليه. قال، فقال: يابن آدم تصير إلى هذا!

وذكر بعضهم لما اشتدَّت به العلَّة أمر بقبره فحفر في موضع من الدار التي كان فيها نازلًا، بموضع يسمى المثقَّب، في دار حميد بن أبي غانم الطائيِّ، فلما فرغ من حفر القبر، أنزل فيه قومًا فقرءوا فيه القرآن حتى ختموا، وهو في محفَّة على شفير القبر (٣).

وذكر محمد بن زياد بن محمد بن حاتم بن عبيد الله بن أبي بكرة، أنَّ سهل بن صاعد حدَّثه، قال: كنت عند الرَّشيد في بيتِه الذي قبض فيه، وهو يجود بنفسه، فدعا بِملْحفة غليظة فاحتبى بها، وجعل يقاسي ما يقاسي؛ فنهضت فقال لي: اقعد يا سهل، فقَعدت وطال جلوسي لا يكلِّمني ولا أكلمه، والمِلْحفة تنحلُّ فيعيد الاحتباء بها، فلما طال ذلك نهضت، فقال لي: إلى أين يا سهل؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما يسع قلبي أن أرى أميرَ المؤمنين يعاني من العلَّة ما يعاني، فلو اضطجعتَ يا أمير المؤمنين كان أروَح لكَ! قال: فضحك


(١) كيف نعتمد على خبر انفرد بروايته نصراني زعم أن هذا الحوار دار بينه وبين الخليفة الرشيد.
(٢) هذا غير مستبعد وللأسف الشديد فإن الخليفة الرشيد اعتمد على طبيب غير مسلم وفتح على نفسه والخلافة بابًا مغلقًا سامحه الله وإيانا.
(٣) انظر: البداية والنهاية [٨/ ١٢٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>