جلوسه، ثم يسألني عن أخبار العامَّة وأحوالها؛ فدخلتُ عليه في غداة يوم، فسلَّمت فلم يكد يرفع طرفه، ورأيته عابسًا مفكِّرًا مهمومًا، فوقفت بين يديه مليًّا من النهار، وهو على تلك الحال، فلما طال ذلك أقدمتُ عليه، فقلت: يا سيدي، جعلني الله فداك! ما حالك هكذا، أعلَّة فأخبرني بها؛ فلعله يكون عندي دواؤها، أو حادثة في بعض من تحبُّ فذاك ما لا يُدفع ولا حيلة فيه إلا التسليم والغمّ، لا درك فيه، أو فَتْق ورد عليك في مُلْكك، فلم تخلُ الملوك من ذلك؛ وأنا أولى من أفضْيتَ إليه بالخبر، وتروَّحت إليه بالمشورة. فقال: ويحك يا جبريل! ليس غمي وكربي لشيء مما ذكرت، ولكن لرؤيا رأيتُها في ليلتي هذه، وقد أفزَعَتْني وملأت صدري، وأقرْحت قلبي، قلت: فرَّجتَ عني يا أمير المؤمنين، فدنوتُ منه، فقبَّلت رجله، وقلت أهذا الغمُّ كله لرؤيا! الرؤيا إنما تكون من خاطر أو بخارات رديئة أو من تهاويل السوداء؛ وإنما هي أضغاث أحلام بعد هذا كله. قال: فأقصُّها عليك، رأيت كأني جالس على سريري هذا؛ إذ بدتْ من تحتي ذراع أعرفها وكفٌّ أعرفها، لا أفهم اسم صاحبها، وفي الكفِّ تربة حمراء، فقال لي قائل أسمعه ولا أرى شخصه: هذه التربة التي تُدفن فيها، فقلت: وأين هذه التربة؟ قال: بطوس. وغابت اليد وانقطع الكلام، وانتبهت. فقلت: يا سيِّدي، هذه والله رؤيا بعيدة ملتبسة، أحسبك أخذت مضجعكَ، ففكَّرت في خُراسان وحروبها وما قد ورد عليك من انتقاض بعضها. قال: قد كان ذاك، قال: قلت: فلذلك الفكر خالطَك في منامك ما خالطك، فولَّد هذه الرؤيا، فلا تحْفِل بها جعلني الله فداك! وأتبع هذا الغئمَ سرورًا، يخرجه من قلبك لا يولد علة. قال: فما برحت أطيِّب نفسه بضروب من الحيل، حتى سلا وانبسط، وأمر بإعداد ما يشتهيه، ويزيد في ذلك اليوم في لهوه. ومرَّت الأيام فنَسي، ونسينا تلك الرؤيا، فما خطرت لأحد منا ببال، ثم قدَّر مسيره إلى خُراسان حين خرج رافع، فلما صار في بعض الطريق، ابتدأت به العلَّة فلم تزل تتزايد حتى دخلنا طُوس، فنزلنا في منزل الجنيد بن عبد الرحمن في ضَيْعة له تعرف بسنَاباذ، فبينا هو يمرض في بستان له في ذلك القصر إذ ذكر تلك الرؤيا، فوثب متحاملًا يقوم ويسقط، فاجتمعنا إليه، كلّ يقول: يا سيِّدي ما حالك؟ وما دهاك؟ فقال: يا جبريل، تذكر رؤياي بالرَّقة في طُوس؟ ثم رفع رأسه إلى مسرور، فقال: جئني من تربة هذا البستان، فمضى مسرور، فأتى بالتربة في