للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يؤمن أن يُغَوّرُوها فيهلك جندك. وأشيرَ إليه أن يكتبَ إلى عامِله بالبحرين وهو آزاذ فُروز بن جُشْنَس الذي سمّتْه العرب المُكَعْبِر - وإنما سمِّي المكعبر، لأنَّه كان يقطع الأيديَ والأرْجُل وآلى ألا يدع من بني تميم عينًا تطرِفُ - فَفَعَل؛ ووجَّه له رسولًا. ودعا بهوذة فجدَّدَ له كرامة وصلَةً وقال: سِرْ مع رسولي هذا فاشْفِني واشْتَفِ، فأقبل هوذة والرَّسُول معه حتى صار إلى المكعبِر، وذلك قريب من أيَّام اللُّقاط، وكان بَنُو تميم يصيرون في ذلك الوقت إلى هَجَر، للميرَةِ واللُّقاط، فنادى منادي المكَعْبِر: مَن كان ها هنا من بني تميم فلْيَحْضر فإن الملك قد أمر لَهُمْ بميرَةٍ وطعام يُقسّم فيهم؛ فحضروا، فأدخلهم المُشَقَّر - وهو حصنٌ حِيَاله حصنٌ يقال له: الصَّفا، وبينهما نهرٌ يقال له: محلّم - وكان الذي بني المشقَّر رجلًا من أساورَةِ كسرى يقال له: "بَسَك بن ماهبوذ"، كان كسرى وجَّهَهُ لبنائه، فلمَّا ابتدَأه قيل له: إنَّ هؤلاء الفَعَلَة لا يقيمون بهذا الموْضع إلَّا أن تكون معهم نساء، فإن فعلت ذلك بِهمْ تمَّ بناؤُك، وأقاموا عليهِ حتى يَفْرُغوا منه؛ فنقل إليهِم الفواجِرَ من ناحية السَّوَادِ والأهْواز، وحُمِلَتْ إليهم رَوَايا الخمْرِ من أرض فارس في البحر، فتَنَاكَحُوا، وتَوَالدوا، فكانوا جُلَّ أهل مدينة هَجَر، وتكلَّم القومُ بالعرَبيَّة، وكانت دعوَتُهم إلى عبْد القيس، فلما جاء الإسلامُ؛ قالوا لعبد القيس: قد علمتم عَدَدَنا، وعُدَّتنا، وعظيمَ غَنائنا، فأدْخلونا فيكم وزوّجونا، قالُوا: لا، ولكن أقيموا على حالكم، فأنتم إخوانُنَا وموالينا، فقال رجلٌ من عبد القيس: يا معاشر عبد القيس؛ أطيعوني وألحقوهم، فإنَّه ليس عن مثْل هؤلاء مرغَب، فقال رجل من القوم: أما تَسْتَحي! أتأمرنا أن نُدْخِل فينا من قد عَرفْتَ أوَّلَه وأصلَه! قال: إنَّكم إن لم تفعَلُوا؛ ألحقَهُمْ غيركم من العرب، قال: إذًا لا نستوحش لهم؛ فتفرَّق القوْم في العرب، وبقيتْ في عبد القيس منهم بَقيَّةٌ فانتَمَوْا إليهم، فلم يردُّوهم عن ذلك. فلما أدْخَل المكعبِرُ بَني تميم المشقّر قتل رجالهم واستبقى الغلمان، وقُتِل يومئذ قَعْنَب الرِّياحيّ - وكان فارسَ بني يَرْبُوع - قتله رجلان من شَن كانا ينوبان الملوك؛ وجعل الغلمان في السُّفن، فعبر بهم إلى فارس، فَخَصَوْا منهم بشرًا. قال هبيرة بن حُدير العَدويّ: رجع إلينا بعد ما فتحت إصطخر عدَّة منهم، أحدُهم خصِيٌّ والآخر خيَّاط. وشدَّ رجلٌ من بني تميم، يقال له: عبيد بن وَهْبٍ على سلسلة الباب فَقَطَعَها، وخَرَجَ، فقال:

تذَكَّرْتُ هنْدًا لاتَ حِين تَذكُّرِ ... تذَكرْتها ودُونَهَا سَيرُ أَشْهُرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>