والخَيرُ والشَّرُّ مقرونانِ في قَرَنٍ ... فالخيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ
فلمَّا قَدِم عبدُ المسيحِ على كِسْرى، أخبره بقول سطيح، فقال: إلى أن يملك منَّا أربعةَ عشر ملِكًا قد كانت أمور.
فمَلَكَ منهم عشرةٌ أربعَ سنين، ومَلَك الباقون إلى ملْك عثمان بن عفان.
وحُدّثتُ عن هشام بن محمد، قال: بعث وهْرِز بأموال وطُرَف من طُرَف اليمن إلى كسْرى، فلما صارَتْ ببلاد بني تميم، دعا صَعْصَعةُ بن ناجية بن عِقال المجاشعيّ بَني تميم إلى الوثوب عليه، فأَبَوْا ذلك، فلمَّا صارتْ في بِلادِ بني يربوع دعاهم إلى ذلك، فهابوه، فقال: يا بني يَرْبُوع! كأنّي بهذه العير قد مرَّت ببلاد بكْر بن وائِل، فوَثَبُوا عليها فاستعانوا بها على حَرْبِكُمْ! فلمَّا سمعوا ذلك؛ انْتَهَبُوها، وأخذ رجلٌ من بني سَليط يقال له: النَّطِف خُرْجًا فيهِ جوْهر، فكان يقال:"أصاب كنز النَّطِف"؛ فصار مثلًا؛ وأخذ صعْصَعة خَصَفة فيها سبائكُ فِضَّة، وصار أصحاب العير إلى هَوْذَة بن عليّ الحنفيّ باليمامة، فكساهم، وزوَّدهم وحملهم، وسار معهم حتى دخل على كسرى. وكان لَهْوذة جَمَالٌ وبَيَان، فأعجب به كسرى وحَفِظ له ما كان منه، ودعا بعِقد من دُرّ فعقد على رأسِه، وكساه قباء ديباج، مع كسوة كثيرة، فمن ثمَّ سُمّيَ هوذة ذا التاج؛ وقال كسرى لهوذة: أرَأيتَ هؤلاء القوم الذين صنعوا ما صنعوا مِنْ قومِكَ هم؟ قال: لا، قال: أصلحٌ هُم لك؟ قال: بيننا الموتُ، قال: قد أدْرَكْت بعضَ حاجتك [ونلت ثأرك]. وعزم على توجيه الخيل إلى بني تميم، فقيل له: إنَّ بلادَهُمْ بلادُ سوء، إنّما هي مفاوزُ وصحارى لا يهتَدَى لمسالكها، وماؤهُمْ من الآبار،