حلّ بهم من البلاء مِنْ قتل مَنْ يظهر منهم وشدّة الحصار على مَنْ لزم المدينة؛ فلم يظهر منهم أحد، وحالَ مَنْ خرج منهم بالأمان من الإحسان إليه، والصفح عن جُرْمه، مالوا إلى الأمان، وجعلوا يهربون في كلّ وجه، ويخرجون إلى أبي أحمد في الأمان كُلَّما وجدوا إليه السبيل.
فملِئ الخبيث من ذلك رُعْبًا، وأيقن الهلاك، فوكّل بكلّ ناحية كان يرى أنّ فيها طريقًا للهرب من عسكره أحراسًا وحَفَظة، وأمرهم بضبط تلك النواحي، ووكّل بفُوْهة الأنهار منْ يمنع السفن من الخروج منها، واجتهد في سدّ كلّ مسلك وطريق وثلمة؛ لئلا يطمع في الخروج عن مدينته.
وأرسل جماعةٌ من قوّاد الفاجر صاحب الزنج إلى الموفق يسألونه الأمان، وأن يوجه لمحاربة الخبيث جيشًا ليجدوا إلى المصير إليه سبيلًا، فأمر الموفق أبا العباس بالمصيرِ في جماعة من أصحابه إلى الموضع المعروف بنهر الغربيّ، وعليّ بن أبان حينئذ يحوط ذلك النهر؛ فنهض أبو العباس في المختارين من أصحابه، ومعه الشَّذَا والسُّميريّات والمعابِر، فقصد النهر الغربيّ، وانتدب المهلبيّ وأصحابه لحربه، فاستَعرتِ الحرب بين الفريقين، وعلا أصحاب أبي العباس، وقهر الزّنْج، وأمدّ الفاسق المهلبيَّ بسليمان بن جامع في جَمع من الزّنْج كثير، واتصلت الحرب يومئذ من أوّل النهار إلى وقت العصر؛ وكان الظفر في ذلك اليوم لأبي العباس وأصحابِه، وصار إليه القوم الذين كانوا طلبوا الأمان من قوّاد الخبيث، ومعهم جمع كثير من الفرسان وغيرهم من الزَّنْج، فأمر أبو العباس عند ذلك أصحابه بالرجوع إلى الشَّذَا والسفن، وانصرف فاجتاز في منصرفه بمدينة الخبيث، حتى انتهى إلى الموضع المعروف بنهر الأتراك، فرأى أصحابه من قلة عدد الزَّنْج في هذا الموضعمن النهر ماطمعوا له فيمن كان هناك، فقصدوا نحوهم، وقد انصرف أكثر أصحابهم إلى المدينة الموفّقية، فقربوا إلى الأرض، وصعِدوا وأمعنوا في دخول تلك المسالك، وعلتْ جماعةٌ منهم السور، وعليه فريق من الزّنج وأشياعهم، فقتلوا مَنْ أصابوا منهم هنالك، ونذِر الفاسق بهم، فاجتمعوا لحربهم، وأنجد بعضهم بعضًا.
فلمّا رأى أبو العباس اجتماعَ الخبثاء وتحاشدَهم وكثرة من ثاب إلى ذلك