الموضع منهم، مع قلة عدد مَنْ هنالك من أصحابه، كرّ راجعًا إليهم فيمن كان معه في الشَّذَا، وأرسل إلى الموفّق يستمدّه، فوافاه لمعونته مَنْ خفّ لذلك من الغلمان في الشَّذَا والسُّميريّات، فظهروا على الزَّنْج وهزموهم؛ وقد كان سليمان بن جامع لما رأى ظهور أصحاب أبي العباس على الزَّنْج، وغَل في النهر مصاعدًا في جمع كثير؛ فانتهى إلى النَّهر المعروف بعبد الله، واستدبر أصحاب أبي العباس وهم في حربِهم، مقبلين على مَنْ بإزائهم ممّن يحاربهم، فيمعنون في طلب مَن انهزم عنهم من الزَّنْج، فخرج عليهم من ورائهم، وخفقت طبوله، فانكشف أصحاب أبي العباس، ورجع عليهم مَنْ كان انهزم عنهم من الزَّنْج، فأصِيبت جماعة من غلمان الموفَّق وغيرهم من جُنده، وصار في أيدي الزَّنْج عدّة أعلام ومطارد، وحامى أبو العباس عن الباقين من أصحابه، فسلم أكثرُهم، فانصرف بهم؛ فأطمعت هذه الوقعة الزَّنْج وتبّاعهم، وشدّت قلوبهم، فأجمع الموفَّق على العبور بجيشه أجمع لمحاربة الخبيث، وأمر أبو العباس وسائر القوّاد والغلمان بالتأهّب للعبور، وأمر بجمع السفن والمعابر وتفريقها عليهم، ووقف على يوم بعينه أراد العبور فيه، فعصفت رياحٌ منعت من ذلك، واتصل عصوفها أيامًا كثيرة؛ فأمهل الموفّق حتى انقضى هبوب تلك الرياح، ثم أخذ في الاستعداد للعبور ومناجزة الفاجر.
فلما تهيّأ له ما أراد من ذلك عبر يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة من سنة سبع وستين ومئتين في أكثف جَمْع وأكمل عدّة، وأمر بحمل خيل كثيرة في السفن، وتقدّم إلى أبي العباس في المسير في الخيل ومعه جميع قوّاده الفرسان ورجَّالتهم، ليأتِيَ الفجرة من ورائهم من مؤخّر النهر المعروف بمنكى، وأمر مسرورًا البلخيّ مولاه بالقصد إلى نهر الغربيّ ليضطر الخبيث بذلك إلى تفريق أصحابه، وتقدّم إلى نصير المعروف بأبي حمزة ورشيق غلام أبي العباس وهو من أصحابه - وشذواتُه في مثل العدّة التي فيها نصير - بالقصد لفوّهة نهر أبي الخصيب والمحاربة لما يظهر من شَذَوَات الخبيث، وقد كان استكثر منها، وأعدّ فيها المقاتلة وانتخبهم، وقصد أبو أحمد بجميع مَنْ معه لركنٍ من أركان مدينة الخبيث قد كان حصّنه بابنه المعروف بأنكلاي، وكنفه بعليّ بن أبان وسليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمدانيّ وحفه بالمجانيق والعرّادات