للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسيّ الناكيّة، وأعدّ فيه الناشبة وجمع فيه أكثر جيشه.

فلما التقى الجمعان أمر الموفّق غلمانه: الناشبة والرامحة والسودان، بالدنوّ من الركن الذي فيه جمع الفسقة، وبينه وبينهم النهر المعروف بنهر الأتراك؛ وهو نهر عريض غزير الماء، فلما انتهوْا إليه أحجموا عنه، فصِيح بهم، وحُرِّضوا على العبور فعبروا سباحة، والفسقة يرمونهم بالمجانيق والعرّادات والمقاليع والحجارة عن الأيدي، وبالسهام عن القسيّ الناوكية، وقسيّ الرِّجْل وصنوف الآلات التي يرمَى عنها؛ فصبروا على جميع ذلك حتى جاوزوا النهر، وانتهوْا إلى السور، ولم يكن لحِقهم من الفَعَلة مَن كان أعِدَّ لهدمه، فتولّى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من سلاحهم ويسَّر الله ذلك، وسهّلوا لأنفسهم السبيل إلى عُلوّه، وحضرهم بعض السلاليم التي كانت أعِدّت لذلك، فعَلوا الركن، ونصبوا هنالك علمًا من أعلام الموفق، وأسلم الفسقة سورهم، وخلوْا عنه بعد أن حوربوا عليه أشدّ حرب، وقتِل من الفريقين خلق كثير، وأصيب غلامٌ من غلمان الموفّق يقال له: ثابت بسهم في بطنه فمات، وكان من قوّاد الغلمان وجِلّتهم.

ولما تمكن أصحاب الموفّق من سُور الفسقة، أحرقوا ما كان عليه من مِنجنيق وعرّادة وقوس ناوكيّة، وخلّوْا عن تلك الناحية وأسلموها، وقد كان أبو العباس قصد بأصحابه في الخيل النهر المعروف بمنكى، فمضى عليّ بن أبان المهلبيّ في أصحابه، قاصدًا لمعارضته ودفعه عمّا صمد له، والتقيا، فظهر أبو العباس عليه وهزمه، وقتل جمعًا كثيرًا من أصحابه، وأفلت المهلبيّ راجعًا، وانتهى أبو العباس إلى الموضع الذي قدّر أن يصل منه إلى مدينة الفاسق من مؤخر نهر منكى، وهو يرى أنّ المدخل من ذلك الموضع سهلٌ، فدخل إلى الخندق فوجده عريضًا ممتنعًا، فحمل أصحابه على أن يعبروه بخيولهم، وعبَره الرّجّالة سباحةً حتى وافوا السور، فثلموا فيه ثلمًا اتّسع لهم منه الدخول فدخلوا، فلقي أوائلهم سليمان بن جامع، وقد أقبل للمدافعة عن تلك الناحية لمّا انتهى إليه انهزم المهلبّي عنها، فحاربوه، وكان أمام القوم عشرة من غلمان الموفق، فدافعوا سليمان وأصحابَه؛ وهم خلق كثير، وكشفوهم مرارًا كثيرة، وحاموا عن سائر أصحابهم حتى رجعوا إلى مواضعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>