وقال محمد بن حمّاد: لما غلب أصحاب الموفّق على الموضع الذي كان الفاسق حرسه بابنه والمذكورين من أصحابه وقوّاده، وشعّثوا من السور الذي أفضوْا إليه ما أمكنهم تشعيثُه، وافاهم الذين كانوا أعِدّوا للهدم بمعاولهم وآلاتهم، فثلموا في السور عدّة ثلم، وقد كان الموفّق أعدّ لخندق الفسقة جسرًا يُمَدُّ عليه، فمُدّ عليه، وعبر جمهور الناس، فلما عاين الخبَثة ذلك، ارتاعوا فانهزموا عن سور لهم ثان قد كانوا اعتصموا به، ودخل أصحابُ الموفق مدينة الخائن، فولَّى الفاجرُ وأشياعهُ منهزمين، وأصحابُ الموفق يتبعونهم ويقتلون مَنْ انتهوا إليه منهم؛ حتى انتهوا إلى النهر المعروف بابنِ سمعان، وصارت دار ابن سمعان في أيدي أصحاب الموفق، وأحرقوا ما كان فيها وهدموها، ووقف الفجرة على نهر ابنِ سمعان وقوفًا طويلًا، ودافعوا مدافعة شديدة، وشدّ بعض غلمان الموفق على عليّ بن أبان المهلبي، فأدبر عنه هاربًا، فقبض على مئزره، فخلّى عن المئزر، ونبذه إلى الغلام، ونجا بعد أن أشفَى الهَلكة، وحمل أصحاب الموفق على الزَّنج حملةً صادقة، فكشفوهم عن النهر المعروف بابن سمعان، حتى وافَوْا بهم طرف ميدان الفاسق، وانتهى إليه خبرُ هزيمة أصحابه ودخول أصحاب الموفّق مدينته من أقطارها، فركب في جمع من أصحابه، فتلقّاه أصحاب الموفق، وهم يعرفونه في طرف ميدانه، فحملوا عليه، فتفرّق عنه أصحابُه ومَنْ كان معه وأفردوه، وقَرُب منه بعض الرجّالة حتى ضرب وجه فرسه بتُرسه؛ وكان ذلك مع مغيب الشمس، فأمر الموفّق أصحابه بالرجوع إلى سفنهم، فرجعوا سالمين، قد حملوا من رؤوس الخبثاء شيئًا كثيرًا، ونالوا كلّ الذي أحبُّوا منهم من قتل وجراح وتحريق منازل وأسواق، وقد كان استأمن إلى أبي العباس في أول النهار عدد من قوّاد الفاجر وفرسانه، فاحتاج إلى التوقف على حملهم في السفن، وأظلم الليل، وهبّت ريح شمال عاصف، وقوِيَ الجزر، فلصِق أكثر السفن بالطين.
وحرّض الخبيث أشياعَه واستنجدهم، فبانت منهم جماعة، وشدّوا على السفن المتخلّفة، فنالوا منها نَيْلًا، وقتلوا فيها نفرًا، وقد كان بهبوذ بإزاء مسرور البلخيّ وأصحابه في هذا اليوم في نهر الغربيّ، فأوقع بهم، وقتل جماعة منهم، وأسر أسارى، وصارت في يده دوابّ من دوابهم، فكسر ذلك نشاط أصحاب