للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عَلَيكُمْ} أي فلم تفهموها، ولم تهتدوا إليها، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي أنغصبكم بها، ونجبركم عليها؟ {وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه. {وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى اللَّهِ} أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم إن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي وأبقى مما تعطونني أنتم.
وقوله: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك وقال: {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} أي فأخاف إن طردتهم أفلا تذكرون. ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم، نهاه الله عن ذلك، كما بيّناه في سورتي الأنعام والكهف.
{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} أي بل أنا عبد ورسول، لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله: {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} يعني من أتباعه {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، كما قالوا في المواضع الأخرى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَال وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إلا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} أي ومع هذه المدة الطويلة، ما آمن به إلا القليل منهم. وكان كلما انقرض جيل وصَّوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته. وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصَّاه فيما بينه وبينه، ألا يؤمن بنوح أبدًا ما عاش، ودائمًا ما بقي. وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، ولهذا قال: {وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٧].
ولهذا: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢} قَال إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي إنما يقدر على ذلك الله عزَّ وجلَّ، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون.
{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْويَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ} من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم، العليم بمن يستحق الهداية، ومن يستحق الغواية، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلا مَنْ قَدْ آمَنَ} تسلية له عما كان منهم إليه {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} وهذه تعزية لنوح - عليه السلام - في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، =

<<  <  ج: ص:  >  >>