للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وزعمت الطائفة التأريخية الركيكة: أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعًا في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه .. وهذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط وإنما هو شيء أخبر به المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع (العواصم / ١٧٧).
قلنا: والذي يعرف سيرة عمرو بن العاص يتبين له كذب ما افتراه الرواة المبتدعة، والضعفاء، فقد أخرج الذهبي في سير أعلام النبلاء (١/ ٥٧) عن قبيصة بن جابر وهو الذي شهد الجمل مع علي: (قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أبين ولا أنصع رأيًا ولا أكرم جليسًا منه ولا أشبه سريرة بعلانية منه).
وأخرج الترمذي في سننه (ح ٣٨٤٣): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص. وحسنه الألباني (٣/ ٢٣٦ / ح ٣٠٢٠) - هذه هي صورة الصحابي الجليل عمرو بن العاص في الحديث والتأريخ، فليخسأ المبتدعة الكذابون من أمثال أبي مخنف وغيره.
وأما أبو موسى فلم يكن ضعيف الرأي ولا مغفلًا ولا جاهلًا حتى ينخدع بهذه السهولة ويخلع من عنقه بيعة خليفةٍ راشد أجمع أهل الحرمين والبدريون وأهل بيعة الرضوان على إمامته، كيف يفعل ذلك أبو موسى ويعرّض الأمة الإسلامية لخطر العيش بدون خليفة في ذلك الظرف الدقيق، إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يدفنوا جثمان حبيبهم - صلى الله عليه وسلم - حتى اختاروا خليفته، فكيف يجازفون بخلع خليفة اختاروه عن رضا وهو من هو مكانة ومنزلة؟ ! وهل عرف المبتدعون علم أبي موسى حتى يفتروا عليه هذه الفرية، فقد روى الفسوي في المعرفة والتاريخ (٢/ ٥٤٠) عن أبي البختري قال: أتينا عليًّا فسألناه عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: عن أبيهم تسألوني؟ قلنا: أبو موسى. قال: صبغ في العلم صبغة).
وأما عن فطنته وحكمته ورجاحة عقله (وهو قاض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن) فقد أخرج ابن سعد في طبقاته (٤/ ١٠٨) عن أنس قال: بعثني الأشعري إلى عمر فقال لي: كيف تركت الأشعري؟ قلت: يركته يعلم الناس القرآن. فقال: أما إنه لكيّس ولا تسمعها إياه.
وأخيرًا وليس آخرًا بالنسبة لما ذكره أبو مخنف في مروياته من اللعن بين علي ومعاوية فقد بحثنا فيما بين أيدينا من مراجع التاريخ وكتب الحديث فلم نجد رواية صحيحة ولا حسنة ولا مرسلة صحيحة تثبت: أن عليًّا رضي الله عنه كان يلعن معاوية وأصحابه، ولا قنت معاوية على علي ولم يلعنه، ولم يأمر بذلك، فكل ذلك لم يصح كما قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (٧/ ٢٨٤).
وكيف يلعن الصحابة بعضهم بعضًا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس المؤمن بطعان ولا بلعان) رواه الترمذي في السنن وصححه الألباني (٢/ ١٨٩ / ح ١١١٠) وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة" (صحيح مسلم / كتاب البر والصلة والأدب / ١٦/ ١٤٩). فالروايات التي ذكرت أن عليًّا ومعاوية كانا يلعنان (أحدهما الآخر) =

<<  <  ج: ص:  >  >>