للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تحتسب. احفظ يابنيّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في أمّته يحفظ الله عليك أمورَك. وإياك والدّم الحرام، فإنَّه حَوْب عند الله عظيم، وعارٌ في الدُّنيا لازم مقيم. والزم الحلال؛ فإن ثوابَك في الآجل، وصلاحك في العاجل. وأقم الحدود ولا تعتدِ فيها فتبور؛ فإن الله لو علم أنّ شيئًا أصلحُ لدينه وأزجرُ من معاصيه من الحدود لأمر به في كتابه. وأعلم أنّ من شدّة غضب الله لسلطانه، أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على مَنْ سعى في الأرض فسادًا، مع ما ذخر له عنده من العذاب العظيم، فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (١) الآية. فالسلطان يابنيّ حبْل الله المتين، وعُروته الوثقَى، ودين الله القَيّم، فاحفظه وحُطْه وحصّنه، وذُبَّ عنه، وأوقع بالملحدين فيه، واقْمَع المارقين منه، واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم والمَثُلات بهم؛ ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن. واحكم بالعدل ولا تُشْطِط؛ فإن ذلك أقطعُ للشَّغَب، وأحسم للعدوّ، وأنجع في الدواء. وعفّ في الفيء، فليْس بك إليه حاجة مع ما أخلَفه لك، وافتتح عملك بصلةِ الرَّحِم وبرّ القرابة. وإياك والأثَرة والتبذير لأموال الرّعية. واشحن الثغور، واضبط الأطراف، وأمِّن السبل، وخصّ الواسطة، ووسِّع المعاش، وسكِّن العامة، وأدخل المرافق عليهم، واصرف المكاره عنهم، وأعدّ الأموال واخزنها. وإيّاك والتبذير؛ فإن النوائب غير مأمونة، والحوادث غير مضمونة، وهي من شيَم الزّمان. وأعدّ الرجال والكُراع والجند ما استطعت. وإيّاك وتأخيرَ عمل اليوم إلى غد، فتتدارك عليك الأمور وتضيع. جِدَّ في إحكام الأمور النازلات لأوقاتها أولًا فأولًا، واجتهد وشمّر فيها، وأعدد رجالًا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار، ورجالأ بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل. وباشر الأمور بنفسك، ولا تضجر ولا تكسل ولا تفشل، واستعمل حسنَ الظن بربك، وأسئ الظن بعمَّالك وكتابك. وخذ نفسك بالتيقظ، وتفقَّد مَنْ يبيت على بابك، وسهّل إذنَك للنَّاس، وانظر في أمر النزاع إليك، ووكِّل بهم عينًا غير نائمة، ونفسًا غير لاهية، ولا تنم فإنّ أباك لم ينمْ منذ وليَ الخلافة، ولا دخل عينه غمض إلّا وقلبه مستيقظ. هذه وصيّتي إليك، والله خليفتي عليك.

قال: ثم ودّعه وبكى كلّ واحد منهما إلى صاحبه.


(١) سورة المائدة: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>