بمالي، فأحبّ أن تصيّر نصيبَك منه لإخوتك الأصاغر. قال: نعم، قال: ورقيقي الخاصة هم لك، فاجعلهم لهم، فإنَّك تصير إلى ما يُغنيك عنهم، وبهم إلى ذلك أعظم الحاجة. قال: أفعل، قال: أما الضياع، فلست أكلِّفك فيها هذا، ولو فعلتَ كان أحبَّ إليّ، قال: أفعل، قال: سلمْ إليهم ما سألتك من هذا، وأنت معهم في الضياع. قال: والمتاع والثياب، سلِّمه لهم، قال: أفعل. قال: أحسنَ الله عليك الخلافة ولك الصُّنعْ! اتق الله فيما خَوّلك وفيما خلَّفتُك عليه.
ومضى إلى الكوفة، فنزل الرُّصافة، ثمّ خرج منها مهلًا بالعمرة والحجّ، قد ساق هَديَه من البُدْن، وأشعر وقلّد؛ وذلك لأيام خلتْ من ذي القعدة.
وذكر أبو يعقوب بن سليمان، قال: حدثتني جَمرة العطَارة - عطّارة أبي جعفر - قالت: لما عزم المنصور على الحج دعا رَيْطة بنت أبي العباس امرأة المهديّ - وكان المهديّ بالريّ قبل شخوص أبي جعفر - فأوصاها بما أراد، وعهد إليها، ودفع إليها مفاتيح الخزائن، وتقدّم إليها وأحلفها، ووكّد الإيمان ألّا تفتح بعض تلك الخزائن، ولا تُطلع عليها أحدًا إلَّا المهديّ؛ ولا هي؛ إلّا أن يصحّ عندها موته، فإذا صحّ ذلك اجتمعتْ هي والمهديّ وليس معهما ثالث؛ حتَّى يفتحا الخزانة. فلما قدِم المهديّ من الرّيّ إلى مدينة السَّلام، دفعت إليه المفاتيح، وأخبرتْه من أنْلمنصور أنَّه تقدَّم إليها فيه ألّا يفتحه ولا يُطلع عليه أحدًا حتَّى يصحّ عندها موتُه. فلما انتهى إلى المهديّ موتُ المنصور ووليَ الخلافة، فتح الباب ومعه ريْطة، فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وإذا فيهم أطفال ورجال شباب ومشايخ عدّة كثيرة، فلما رأى ذلك المهديّ ارتاع لما رأى، وأمر فحفِرت لهم حفيرة فدُفنوا فيها، وعمِل عليهم دكان.
وذُكِر عن إسحاق بن عيسى بن عليّ، عن أبيه، قال: سمعتُ المنصور وهو متوجّه إلى مكّة سنة ثمان وخمسين ومائة، وهو يقول للمهديّ عند وداعه إياه: يا أبا عبد الله؛ إنِّي وُلدت في ذي الحجة، ووليت في ذي الحجة، وقد هجس في نفسي أني أموت في ذي الحجة من هذه السنة؛ وإنَّما حداني على الحجّ ذلك، فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي؛ يجعل لك فيما كَرَبك وحزَنك مخرجًا - أو قال: فَرجًا ومخرجًا - ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث