للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أظنك تفعل واحدة منها - وكان له سَفَط فيه دفاتر علمه، وعليه قُفل لا يأمن على فتحه ومفتاحه أحدًا، يصرّ مفتاحه في كمّ قميصه. قال: وكان حمّاد التركيّ يقدّم إليه ذلك السّفَط إذا دعا به، فإذا غاب حماد أو خرج كان الذي يليه سلمة الخادم - فقال للمهديّ: انظر هذا السَّفَط فاحتفظ به؛ فإنّ فيه علم آبائك. ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فإن أحزنك أمر فانظر في الدّفتر الأكبر؛ فإن أصبتَ فيه ما تريد، وإلا فالثاني والثالث؛ حتَّى بلغ سبعة؛ فإن ثقل عليك فالكرّاسة الصغيرة؛ فإنَّك واجد فيها ما تريد، وما أظنك تفعل، وانظر هذه المدينة؛ فإياك أن تستبدل بها؛ فإنها بيتك وعزّك، قد جمعتُ لك فيها من الأموال ما إن كُسِر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذريّة ومصلحة الثغور؛ فاحتفظ بها، فإنَّك لا تزال عزيزًا ما دام بيت مالك عامرًا، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل بيتك؛ أن تُظهر كرامتهم وتقدّمهم وتكثر الإحسان إليهم، وتعظِّم أمرَهم، وتوطئ النَّاس أعقابهم، وتولّيهم المنابر؛ فإنّ عزّك عزّهم وذكرهم لك، وما أظنك تفعل. وانظر مواليَك، فأحسن إليهم وقرّبهم واستكثر منهم فإنهم مادّتك لشدة إن نزلت بك، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل خُراسان خيرًا، فإنهم أنصارك وشيعتُك الَّذين بذلوا أموالهم في دولتك، ودماءهم دونك، ومَنْ لا تخرج محبتك من قلوبهم، أن تحسِن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم على ما كان منهم، وتخلُف مَن مات منهم في أهله وولده، وما أظنّك تفعل. وإياك أن تبني مدينة الشرقيّة فإنَّك لا تتم بناءها، وما أظنّك تفعل. وإيَّاك أن تستعين برجل من بني سُليم، وأظنّك ستفعل. وإياك أن تدخل النساء في مشورتِك في أمرك، وأظنك ستفعل.

وقال غير الهيثم: إنّ المنصور دعا المهديّ عند مسيره إلى مكّة، فقال: يا أبا عبد الله، إنِّي سائر وإني غير راجع؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون! فاسأل الله بركة ما أقدم عليه، هذا كتاب وصيتي مختومًا، فإذا بلغك أني قد متّ، وصار الأمر إليك فانظر فيه، وعليّ دينٌ فأحبّ أن تقضِيَه وتضْمَنه، قال: هو عليّ يا أميرَ المؤمنين، قال: فإنَّه ثلثمائة ألف درهم ونيّف، ولست أستحلُّها من بيت مال المسلمين، فاضمنها عني، وما يفضي إليك من الأمر أعظم منها. قال: أفعل، هو عليّ. قال: وهذا القصر ليس هو لكَ، هو لي، وقصري بنيتُه

<<  <  ج: ص:  >  >>