وحدِّرت السفن بما فيها من الرّجّالة والسلاح والآلات، وحُدِّرت المعابر والشَّذوات والسُّميريّات، إلى أن وافى بها النهر المعروف بمَهْرُوذ بحضرة القرية المعروفة بقرية الجوزيّة، فنزل أبو أحمد هناك، وأمر بعقد الجسر على النهر المعروف بمَهروذ، وأقام يومه وليلته، ثم غدا فعبَّر الفرسان والأثقال بين يديه على الجسر، ثم عبر بعد ذلك، وأمر القوّاد والناس بالمسير إلى طَهِيثا، فصاروا إلى الموضع الذي ارتضاه أبو أحمد لنفسه منزلًا على ميلين من مدينة سليمان بن جامع، فأقام هنالك بإزاء أصحاب الخائن يوم الإثنين والثلاثاء لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، وأمطرت السماء مَطَرًا جَوْدا، وأشتدّ البرد أيام مقامه هنالك، فشغل بالمطر والبرد عن الحرب، فلم يحارب هذه الأيام وبقية الجمعة، فلما كان عشية يوم الجمعة ركب أبو أحمد في نفر من قوّاده ومواليه لارتياد موضع لمجال الخيل، فانتهى إلى قريب من سور سليمان بن جامع، فتلقّاه منهم جمع كثير، وخرج عليه كُمناء من مواضع شتى، ونشبت الحرب واشتدّت؛ فترجّل جماعة من الفرسان، ودافعوا حتى خرجوا عن المضايق التي كانوا وغلوها، وأسِر من غلمان أبي أحمد وقوّاده غلام يقال له وصيف عَلْمدار وعدّة من قوّاد زِيرَك، ورمى أبو العباس أحمدَ بن مهديّ الجبائيّ بسهم في إحدى منخريه، فخرق كلّ شيء وصل إليه حتى خالط دماغه، فخرّ صريعًا، وحُمِل إلى عسكر الخائن وهو لمآبه، فعظُمت المصيبة به عليه؛ إذا كان أعظمَ أصحابه غِنىً عنه، وأشدّهم بصيرةً في طاعته، فمكث الجبائيّ يعالَج أيامًا، ثم هلك، فاشتدّ جزع الخائن عليه، فصار إليه، فولِيَ غسله وتكفينه والصلاة عليه والوقوف على قبره إلى أن دفن، ثم أقبل على أصحابه فوعظَهم، وذكر موت الجبائيّ، وكانت وفاته في ليلة ذات رعود وبروق، وقال فيما ذكر: علمتُ وقت قَبْض روحه قبل وصول الخبر إليه بما سمع من زَجل الملائكة بالدّعاء له والترحُّم عليه.
قال محمد بن الحسن: فانصرف إليّ أبو واثِلة - وكان فيمن شهده - فجعل يُعجّبني مما سمع، وجاءني محمد بن سمعان فأخبرني بمثل خبر محمد بن هشام، وانصرف الخائن من دفن الجبائيّ منكسرًا، عليه الكآبة.
قال محمد بن الحسن: وحدثني محمد بن حماد أنّ أبا أحمد انصرف من الوقعة التي كانت عشيّة يوم الجمعة لأربع ليال بقين من شهر ربيع الآخر، وكان