خبره قد انتهى إلى عسكره، فنهض إليه عامة الجيش، فتلقوْه منصرفًا، فردّهم إلى عسكره؛ وذلك في وقت المغرب؛ فلمّا اجتمع أهلُ العسكر أمِروا بالتحارس ليلتَهم والتأهّب للحرب، فأصبحوا يوم السبت لثلاث بقِين من شهر ربيع الآخر؛ فعبّأ أبو أحمد أصحابه، وجعلهم كتائب يتلُو بعضُها بعضًا؛ فرسانًا ورجّالة، وأمر بالشَّذَا والسميريَّات أن يُسار بها معه في النهر الذي يشقّ مدينة طَهِيثا المعروف بنهر المُنذر، وسار نحو الزَّنْج حتى انتهى إلى سور المدينة، فرتَّب قُوّاد غلمانه في المواضع التي يخاف خروج الزَّنج عليه منها، وقدّم الرجّالة أمام الفرسان، ووكّل بالمواضع التي يخاف خروج الكُمنَاء منها، ونزل فصلى أربع ركعات، وابتهل إلى الله عزّ وجلّ في النصر له وللمسلمين، ثم دعا بسلاحه فلبسه، وأمر ابنه أبا العباس بالتقدّم إلى السور وتحضيض الغلمان على الحرب، ففعل ذلك؛ وقد كان سليمان بن جامع أعدّ أمام سور مدينته التي سمّاها المنصورة خندقًا، فلمّا انتهى إليه الغلمان تهيبوا عبورَه، وأحجموا عنه، فحرّضهم قوّادُهم وترجّلوا معهم، فاقتحموه متجاسرين عليه، فعبروه، وانتهوا إلى الزَّنْج وهم مشرفون من سور مدينتهم، فوضعوا السلاح فيهم، وعبرت شِرْذمة من الفرسان الخندق خوضًا.
فلمّا رأى الزَّنج خبر هؤلاء القوم الذين لقوهم وكرّهم عليهم؛ ولّوْا منهزمين، وأتبعهم أصحاب أبي أحمد، ودخلوا المدينة من جَوانبها، وكان الزَّنج قد حصنوها بخمسة خنادق، وجعلوا أمام كلّ خندق منها سورًا يمتنعون به، فجعلوا يقفون عند كلّ سور وخندق إذا انتهوا إليه، وجعل أصحاب أبي أحمد يكشفونَهم في كلّ موقف وقفوه، ودخلت الشَّذَا، والسميريّات مدينتهم من النهر المشقق لها بعد انهزامهم، فجعلت تُغرق كلّ ما مرّت لهم به من شَذاة وسُميريّة، واتبعوا مَنْ بحافتي النهر، يُقتلون ويُؤسرون، حتى أجلُوا عن المدينة وعمّا اتصل بها، وكان زهاءُ ذلك فرسخًا، فحوى أبو أحمد ذلك كله، وأفلت سليمان بن جامع في نفر من أصحابه، فاستحرّ القتل فيهم والأسر، واستنقَذ أبو أحمد من نساء أهل واسط وصبيانهم ومما اتصل بذلك من القُرى ونواحي الكوفة زُهاء عشرة آلاف، فأمر أبو أحمد بحياطتهم والإنفاق عليهم، وحُملوا إلى واسط، ودُفعوا إلى أهليهم، واحتوى أبو أحمد وأصحابه على كلّ ما كان في تلك المدينة من