الذخائر، والأموال والأطعمة والمواشي، وكان ذلك شيئًا جليل القدر، فأمر أبو أحمد ببيع ما أصاب من الغلّات وغير ذلك، وحمله إلى بيت ماله، وصرفه في أعطيات من في عسكره من مواليه وجنوده، فحملوا من ذلك ما تهيّأ لهم حمله، وأسِر من نساء سليمان وأولاده عدّة، واستُنقِذ يومئذ وصيف عَلْمدار ومَنْ كان أسِر معه عشيّة يوم الجمعة، فأخرجوا من الحبس، وكان الأمر أعجل الزَّنج عن قتلهم، ولجأ جمع كثير ممن أفلت إلى الآجام المحيطة بالمدينة، فأمر أبو أحمد فعُقد جِسرٌ على هذا النهر المعروف بالمنذر، فعبر الناس إلى غربيّه، وأقام أبو أحمد بطهيثا سبعة عشر يومًا، وأمر بهدم سور المدينة وطمّ خنادقها، ففعل ذلك، وأمر بتتبع مَنْ لجأ إلى الآجام، وجعل لكل مَنْ أتاه برجل منهم جُعْلًا، فتسارع الناس إلى طلبهم؛ فكان إذا أتيَ بالواحد منهم عفا عنه، وخلع عليه وضمّه إلى دوّاد غلمانه لما دبّر من استمالتهم وصرفهم عن طاعة صاحبهم، وندب أبو أحمد نُصيرًا في الشَّذَا والسميريّات لطلب سليمان بن جامع والهرب معه من الزنج وغيرهم، وأمره بالجِدّ في اتباعهم حتى يجاوز البطائح، وحتى يلج دجْلة المعروفة بالعوراء، وتقدّم في فتح الكُور التي كان الفاسق أحدثها، ليقطع بها الشذَا عن دجلة فيما بينه وبين النهر المعروف بأبي الخصيب، وتقدّم إلى زيرَك في المقام بطهِيثا ليتراجع إليها الذين كان الفاسق أجلاهم عنها من أهلها، وأمره بتتبع مَنْ بَقِيَ في الآجام من الزّنج حتى يظفر بهم.
* * *
وفي شهر ربيع الآخر منها ماتت أم حبيب بنت الرّشيد، ورحل أبو أحمد بعد إحكامه ما أراد إحكامه إلى معسكره ببرْدُودا مزمِعًا على التوجّه نحو الأهواز ليصلحها؛ وقد كان اضطراب أمرُ المهلبيّ وإيقاعه بمن أوقع عليه من الجيوش التي كانت بها وغلبته على أكثر كُورها، وقد كان أبو العباس تقدّمه في مسيره ذلك، فلما وافَى بردودا أقام أيامًا، وأمر بإعداد ما يحتاج إليه للمسير على الظهر إلى كُور الأهواز، وقدِمَ مَنْ يصلح الطريق والمنازل ويعدّ فيها المِيَر للجيوش التي معه، ووافاه قبل أن ترحّل عن واسط زيرك منصرفًا عن طهيثا؛ بعد أن تراجع إلى النواحي التي كان بها الزّنج أهلُها، وخلّفهم آمنين، فآمره أبو أحمد بالاستعداد والانحدار في الشَّذَا والسُّميريَّات في نخبة أصحابه وأنجادهم، ليصير بهم إلى