لم يكن له وقعة إلا كانت له لا عليه؛ فلما شق عليه أمر بالهدم والإحراق عند ذلك، فهدم دور من خالفه ما بين دجلة ودار الرقيق وباب الشام وباب الكوفة، إلى الصراة وأرجاء ابي جعفر وربض حميد ونهر كرخايا والكناسة؛ وجعل يبايت أصحاب محمد ويدالجهم، ويحوى في كل يوم ناحية، ويخندق عليها المراصد من المقاتلة؛ وجعل أصحاب محمد ينقصون، ويزيدون؛ حتى لقد كان أصحاب طاهر يهدمون الدار وينصرفون؛ فيقلع أبوابها وسقوفها أصحاب محمد، ويكونون أضرَّ على أصحابهم من أصحاب طاهر تعديًا؛ فقال شاعر منهم - وذكر أنه عمرو بن عبد الملك الورّاق العتري - في ذلك:
لنا كلَّ يوم ثُلمةٌ لا نَسُدُّها ... يزيدونَ فيما يَطلبونَ ونَنقُصُ
إذَا هَدموا دارًا أَخذنا سُقوفَها ... ونحن لأُخرى غيرِها نتربَّصُ
وإن حَرصوا يومًا على الشَّرِّ جُهْدَهمْ ... فغوغاؤنا منهمْ على الشرّ أَحرَصُ
فقد ضيَّقوا من أَرضنا كلَّ واسعٍ ... وصار لهم أَهل بها، وتعرَّصوا
يثيرونَ بالطبلِ القنيصَ فإِن بدًا ... لهم وجهُ صيدٍ من قريب تقنّصوا
لقد أَفسدوا شَرْقَ البلادِ وغَربَها ... علينا فما ندري إِلى أَين نشخُص!
إذا حضروا قالوا بما يَعرفونه ... وإن يَرَوْا شيئًا قبيحًا تَخَرَّصوا
وما قتلَ الأَبطالَ مثلُ مجرّبٍ ... رسولِ المنايا ليلَهُ يتلصّصُ
ترى البطلَ المشهورَ في كلّ بلدة ... إذا ما رأَى العريانَ يومًا يُبصبِصُ
إذا ما رآه الشَّمَّري مُقَزِّلا ... على عقبَيهِ للمخافةِ يَنكصُ
يبيعُك رأسًا للصبيّ بِدِرهمٍ ... فإِن قال إني مُرْخِصٌ فهو مرخِصُ
فكم قاتل منا لآخر منهمُ ... بمقتله عنه الذُّنوبُ تُمحَّصُ
تراه إذا نادى الأَمانَ مبارزًا ... ويَغمِزنا طَورًا وطورًا يخصِّص
وقد رخَّصَت قراؤنا في قتالِهِمْ ... وما قتل المقتولَ إلَّا المرخّصُ
وقال أيضًا في ذلك:
النَّاسُ في الهدمِ وفي الانتقالْ ... قد عَرَّض النَّاسُ بقيلٍ وقالْ
يا أَيُّها السائل عن شأْنهمْ ... عينك تكفيكَ مكان السُّؤَالْ
قد كان للرحمن تكبيرُهُم ... فاليوم تكبيرهمْ للقتالْ
اطرحْ بعينيك إلى جمعهم ... وانتظر الرَّوْحَ وعُدَّ الليالْ