عاقبته ونتائج مكروهه، قال: وما ذاك؟ فأعلمه، قال: ذاك أني أحسب أنّ هذه الهدايا ما اجتمعتْ له حتى ظلم فيها الأشراف، وأخذ أكثرها ظلمًا وتعدّيًا؛ ولو أمرني أمير المؤمنين لأتيته بضعفها الساعة من بعض تجار الكرْخ، قال: وكيف ذاك؟ قال: قد ساومْنا عونًا على السّفَط الذي جاءنا به من الجوهر، وأعطيناه به سبعة آلاف ألف، فأبى أن يبيعه، فأبعثُ إليه الساعة بحاجتي فآمره أن يردّه إلينا؛ لنعيد فيه نظرنا؛ فإذا جاء به جَحدْناه، وربحنا سبعة آلاف ألف، ثم كنا نفعل بتاجرين من كبار التجار مثل ذلك. وعلى أنّ هذا أسلمُ عاقبة، وأستر أمرًا من فعل عليّ بن عيسى في هذه الهدايا بأصحابها، فأجمعُ لأمير المؤمنين في ثلاث ساعات أكثرَ من قيمة هذه الهدايا بأهْون سعي، وأيسر أمر، وأجمل جباية؛ ممَّا جمع عليّ في ثلاث سنين.
فوقرت في نفس الرشيد وحفظها، وأمسك عن ذكر عليّ بن عيسى عنده، فلما عاث عليّ بن عيسى بخُراسان ووتر أشرافها، وأخذ أموالهم، واستخفّ برجالهم، كتب رجال من كبرائهم ووجوهها إلى الرشيد، وكتبتْ جماعة من كورها إلى قرَاباتها وأصحابها، تشكو سوءَ سيرته، وخبْث طعمته، ورداءة مذهبه، وتسأل أميرَ المؤمنين أن يبدّلها به من أحبّ من كفاته وأنصاره وأبناء دولته وقوّاده. فدعا يحيى بن خالد، فشاوره في أمر عليّ بن عيسى وفي صرفه، وقال له: أشر عليّ برجل ترضاه لذلك الثغر يُصلح ما أفسد الفاسق، ويرتَق ما فتق. فأشار عليه بيزيد بن مَزْيد، فلم يقبل مشورته.
وكان قيل للرشيد: إن عليّ بن عيسى قد أجمع على خلافِك، فشخص إلى الريّ من أجل ذلك، منصرفَه من مكة، فعسكر بالنّهروان لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، ومعه ابناه عبد الله المأمون والقاسم، ثم سار إلى الرّيّ، فلما صار بقَرْمَاسِين أشخص إليه جماعة من القُضاة وغيرهم، وأشهدهم أنّ جميع ما له في عسكره ذلك من الأموال والخزائن والسلاح والكُراع وما سوى ذلك لعبد الله المأمون، وأنه ليس له فيه قليل ولا كثير. وجدّد البيعة له على مَنْ كان معه، ووجّه هَرْثمة بن أعَين صاحب حرسه إلى بغداد، فأعاد أخذَ البَيْعة على محمد بن هارون الرشيد وعلى مَنْ بحضرته لعبد الله والقاسم، وجعل أمر القاسم في خلعه وإقراره إلى عبد الله؛ إذا أفضت الخلافة إليه. ثم مضى الرشيد عند