من المسلمين ألفان من رثيث ومَيّت، ومن المشركين عشرة آلاف من رثيث وميّت. وقال سعد: مَنْ شاء غَسَل الشهداء، ومن شاء فليدفنْهم بدمائهم، وأقبل المسلمون على قتلاهم فأحرزوهم، فجعلوهم من وراء ظهورهم، وأقبل الذين يجمعون القتلى يحملونهم إلى المقابر، ويُبلِّغون الرّثيث إلى النساء، وحاجب بن زيد على الشهداء، وكان النِّساء والصبيان يحفرون القبور في اليومين: يوم أغواث، ويوم أرماث، بِعُدْوتَي مشَرّق، فدُفن ألفان وخمسمئة من أهل القادسيَّة وأهل الأيّام، فمرّ حاجب وبعض أهلِ الشهادة ووُلاةِ الشهداء في أصل نخلة بين القادسيَّة والعُذَيْب، وليس بينهما يومئذ نخلة غيرها، فكان الرّثيث إذا حُملوا فانتهيَ بهم إليها وأحدهم يَعقِل سألهم أن يقفوا به تحتها يستَرْوح إلى ظلِّها، ورجل من الجرْحَى يُدعى بُجَيرًا، يقول وهو مستظلّ بظلها:
ألا يا اسْلَمِي يا نَخْلَةً بين قادِسٍ ... وبين العُذَيبِ لا يُجاورُكِ النَّخْلُ
ورجل من بني ضبَّة، أو من بني ثوْر يُدعى غَيلان، يقول:
أَلا يا اسلَمِي يا نخلةً بين جَرْعةٍ ... يجاورُكِ الجُمّانُ دونكِ والرَّغلُ
أيا نخلة الرُّكبان لا زُلْتِ فانضرِي ... ولا زال في أكناف جَرْعَائِكِ النَّخل
وقال عوف بن مالك التميمي - ويقال التيميّ تَيم الرّباب:
أَيا نخلةً دون العُذَيب بتَلْعةٍ ... سُقِيتِ الغَوادِي المُدْجناتِ من النّخل (١)
(٣: ٥٥٠/ ٥٥١).
١٣٤ - كتب إليّ السريُّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وبات القعقاع ليلته كلَّها يسرّب أصحابَه إلى المكان الذي فارقهم فيه من الأمس، ثم قال: إذا طلعتْ لكم الشمس، فأقبلوا مئة مئة، كلّما توارى عنكم مئة فليتبعها مئة؛ فإن جاء هاشم فذاك وإلّا جدَّدتم للناس رَجاءً وجدًّا، ففعلوا،
(١) إسناده ضعيف وسنذكر ما يؤيده بعد قليل وأرقام هذه الرواية أقرب إلى الصحة من غيرها وأبعدها عن المبالغة من غيرها كما سنرى والله تعالى أعلم.