البَصرة، فاستجار بالأحنف بن قيس، فقال: إنا لا نجير على ابن سميّة، فإن شئتَ كفيتُك شعراءَ بني تميم؛ قال: ذاك ما لا أبالي أنْ أكفاه، فأتى خالد بن عبد الله فوعده، وأتى أميّة فوعده، ثم أتَى عمر بن عبيد الله بن معمر فوعده، ثم أتى المنذرَ بن الجارود فأجاره، وأدخله دارَه، وكانت بَحْرِيَّة بنت المنذر عند عُبيد الله، فلما قدم عبيد الله البَصرة أخبر بمكان ابن مفرِّغ عند المنذر، وأتَى المنذرُ عبيدَ الله مسلِّمًا، فأرسل عبيد الله الشُّرَط إلى دار المنذر، فأخذوا ابن مفرِّغ، فلم يشعر المنذر وهو عند عُبيد الله إلا بابن مفرِّغ قد أقيم على رأسه، فقام إلى عُبيد الله، وقال: أيّها الأمير! إني قد أجرته، قال: والله يا منذر ليمدحنّك وأباك ويهجوني أنا وأبي، ثم تجيره عليّ! فأمر به فسُقي دواءً، ثم حُمل على حمار عليه إكافٌ فجعل يطاف به وهو يَسلَح في ثيابه، فيُمَرُّ به في الأسواق، فمرّ به فارسي فرآه، فسأل عنه، فقال: إين جيست؟ ففهمها ابن مفرّغ، فقال:
أُناسٌ أَجارُونا فكان جوارُهُمْ ... أعاصيرَ من فَسْوِ العِراق المُبَذِّرِ
فأَصبح جارِي من جُذيمَةَ نائمًا ... ولا يمنَعُ الجِيران غَيرُ المُشمّر
وقال لعُبيد الله:
يَغْسِلُ الماءُ ما صَنَعْتَ وقَوْلي ... راسِخٌ منكَ في العظامِ البَوالي
ثم حمله عُبيد الله إلى عبّاد بسِجستان، فكلّمت اليمانية فيه بالشأم معاوية، فأرسل رسولًا إلى عبّاد، فحمل ابن مفرّغ من عنده حتى قَدِم على معاوية، فقال في طريقه:
عَدَسْ ما لِعتادٍ عَلَيْكِ إمارةٌ ... نجَوْتِ وهذا تحملينَ طَليقُ
لَعَمْري لقد نجّاكِ من هُوَّةِ الرَّدى ... إمامٌ وحبْل للأَنام وَثِيقُ
سأشكرُ ما أَوْلَيْتَ من حُسْنِ نِعْمةٍ ... ومِثلي بِشُكْرِ المنعِمِينَ حقيقُ
فلما دخل على معاوية بكى، وقال: رُكبَ مني ما لم يُرْكَبْ من مسلم على غير حَدَث ولا جريرة! قال: أوَ لست القائل: