للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصّه به من الكرامة. وقال أيضًا: وحدّثني: أين تجعل أمّ هذا الروح الطيّب التي اختارها الله لكلمته، وطهَّر جوفَها لروحه، وسوّدها على إمائه؟ فأين تجعلها وما نالت بولاية الله. من أزبيل وما نالت بولايتك؟ فإنها إذْ كانت من شيعتك وملّتك أسلمها الله عند عظيمِ ملكها إلى نفسها، حتى اقتحمت عليها الكلاب في بيتها، فانتهشَتْ لحمها وولغت دمها، وجرّت الثعالب والضباع أوصَالها! فأين تجعلُها وما نالت بولايتك من مريم ابنة عمران وما نالت بولاية الله!

فقال له الملك: إنك لتحدّثنا عن أشياء ليس لنا بها علْم، فائْتني بالرجلين اللذين ذكرت أمرهما؛ حتى أنظرَ إليهما، وأعتبرَ بهما؛ فإني أنكر أن يكون هذا في البَشَر.

فقال له جرجيس: إنّما جاءك الإنكار من قبَل الغِرَّة بالله، وأمّا الرّجلان فلن تراهما ولن يرياك؛ إلّا أن تعمل بعملهما، فتنزل منازلهما.

فقال له الملك: أمّا نحن فقد أعذرْنا إليك، وقد تبيّن لنا كِذبُك، لأنك فخرت بأمور عجزتَ عنها، ولم تأت بتصديقها. ثم خيَّر الملك جرجيس بين العذاب وبين السجود لأفلّون، فيثيبَه.

فقال له جرجيس: إن كان أفلّون هو الذي رفع السماء -وعدّد عليه أشياء من قدرة الله- فقد أصبْتَ ونصحت [لي]، وإلّا فاخسَأ أيّها النجس الملعون!

فلما سمعه الملك يسبّه، ويسبّ آلهته؛ غضب من قوله غضبًا شديدًا، وأمر بخشبة فنصبت له للعذاب، وجعلت عليه أمشاطُ الحديد، فخُدِش بها جسده حتى تقطّع لحمه وجلدُه وعروقه، ينضح خلال ذلك بالخلّ والخردل. فلما رأى ذلك لم يقتلْه؛ أمر بستّة مسامير من حديد فأحميتْ حتى إذا جعلت نارًا، أمر بها فسمّر بها رأسه حتى سال منه دماغه. فلما رأى ذلك لم يقتلْه؛ أمرَ بحوض من نحاس، فأوقد عليه حتى إذا جعله نارًا أمر به فادخل في جوفه، وأطبق عليه، فلم يزل فيه حتى بَرَد حرُّه.

فلما رأى ذلك لم يقتله؛ دعا به فقال: ألم تجد ألمَ هذا العذاب الذي تعذّب به! فقال له جرجيس: أمَّا أخبرتُك أنّ لك ربًّا هو أوْلَى بك من نفسك! قال: بلَى قد أخبرتني، قال: فهو الذي حَمَلَ عنِّي عذابكَ، وصبَّرني ليحتجّ عليك. فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>