ثم اجتمعوا لإحدى عشرة خلت من شهر رمضان؛ ومعهم الأعلام والطبول، وضربوا المضارب والخيم على باب حرْب وباب الشمّاسية وغيرهما، وبنوا بيوتًا من بوارِيّ وقصب، وباتوا ليلَتهم فلما أصبحوا كثُر جمعهم، وبيَّت ابنُ طاهر قومًا من خاصّته في داره، وأعطاهم درهمًا درهمًا؛ فلما أصبحوا مضوا من داره إلى المشغّبة؛ فصاروا معهم فجمع ابن طاهر جنده القادمين معه من خُراسان، وأعطاهم لشهرين، وأعطى جند بغداد القدماء؛ الفارس دِينارين والراجلَ دينارًا، وشحَن داره بالرجال؛ فلما كان يوم الجمعة اجتمع من المشغّبة خلق كثير بباب حرب بالسلاح والأعلام والطبول، ورئيسهم رجل يقال له عبدان بن الموفّق، ويكنى أبا القاسم وكان من أثبات عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان ديوان عبدان في ديوان وصيف، فقدم بغداد، فباع دارًا له بمئة ألف دينار، فشخص إلى سامُرّا؛ فلما وثبت الشاكريّة بباب العامة كان معهم، فضربه سعيد الحاجب خمسمئة سوط، وحبسه حبسًا طويلًا، ثم أطلق، فلما كان فتنة المستعين صار إلى بغداد، وانضمّ إليه هؤلاء المشغّبة، فحضَّهم على الطلب بأرزاقهم، وفائتهم، وضمن لهم أن يكون لهم رأسًا يدبّر أمرهم فأجابوه إلى ذلك؛ فأنفق عليهم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة نحوًا من ثلاثين دينارًا فيما أقام لهم من الطعام، ومَنْ كانت لهم كفاية لم يحتج إلى نفقته؛ فكان ينصرف إلى منزله، فلمّا كان يوم الجمعة اجتمعتْ منهم جماعة كثيرة، وعزموا على المصير إلى المدينة ليمضوا إلى الإمام فيمنعوه من الصَّلاة والدعاء للمعتزّ، فساروا على تعبية في شارع باب حَرْب؛ حتى انتهوْا إلى باب المدينة في شارع باب الشأم، وجعل أبو القاسم هذا على كلّ درب يمرّ به قومًا من المشغبة من بين رامح وصاحب سيف ليحفظوا الدروب؛ كيلا يخرج منها أحد لقتالهم.
ولمّا انتهى إلى باب المدينة دخل معهم المدينة جماعة كثيرة، فصاروا بين البابين وبين الطّاقات فأقاموا هناك ساعة، ثم وجّهوا جماعة منهم يكونون نحوًا من ثلثمئة رجل بالسلاح إلى رُحْبة الجامع بالمدينة؛ ودخل معهم من العامة خلْق كثير، فأقاموا في الرّحبة، وصاروا إلى جعفر بن العباس الإمام، فأعلموه أنهم لا يمنعونه من الصَّلاة، وأنهم يمنعونه من الدعاء للمعتزّ، فأعلمهم جعفر أنه مريض لا يقدر على الخروج إلى الصلاة، فانصرفوا عنه، وصاروا إلى درب