ويؤيد رأي ابن خياط هذا ما رواه البلاذري في أنساب الأشراف قال حدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة: حدثنا وهب بن جرير: عن نافع أن ابن الزبير لم يُدْعَ له بالخلافة حتى مات يزيد، وقال نافع: كنت تحت منبره يوم دعا إلى نفسه وكان قبل ذلك يدعو إلى الشورى. [أنساب الأشراف (٤/ ٣٥١ / ٩٠٨)]. قلنا: وإسناد البلاذري هذا حسن صحيح والله أعلم. قلنا: ولذلك تنحى ابن الحنفية وغيره، وامتنعوا عن البيعة حتى يجتمع الناس على رجل من المسلمين. ثانيًا: كان الضحاك بن قيس بمثابة رأس الحربة والخط الدفاعي الأول وهزيمة جيشه ومقتله رضي الله عنه كان بمثابة بداية النهاية لحكم ابن الزبير رضي الله عنه ولعلَّ شخصية الضحاك بن قيس كانت سببًا من أسباب تلك الخسارة، بالإضافة إلى خديعة ومكر ابن زياد فقد بينت الروايات التي ذكرناها أنه كان مترددًا في أمره فتارة يدعو إلى ابن الزبير سرًّا ثم يعلن ذلك ثم يدعو إلى نفسه ثم يرجع عن ذلك، وأخرى يريد أن يبايع لمروان، وهكذا. وكل ذلك تسبب في زعزعة موقعه القيادي في نظر الناس كما أشارت رواية المدائني، وبالرغم من شجاعته في الحرب وكثرة جنده مقارنة مع جند مروان وعبيد الله بن زياد إلَّا أنَّه تميز بالبساطة فلم يكن خِبًّا إلَّا أن الخِبَّ عبيد الله بن زياد خدعه حين أشار على مروان بمكيدة وحيلة لم يفطن إليها الضحاك فقتل وخسر المعركة بعد أن تظاهر مروان وجنده بالمهادنة والصلح حتى أمن الضحاك جانبهم فباغتوه وهو غير متأهب. ثالثًا: لقد أمَّر عبد الله بن الزبير أخاه مصعبًا على العراق، وبالرغم من شجاعة مصعب ونباهته إلَّا أن العراق كان قبل مصعب وأثناء حكم مصعب وبعده مصدرًا للاضطرابات والفتن أضرَّت بكل من حكم العراق من الولاة. وكذلك خراسان وبالمقابل فإن الجناح الذي وقع تحت سيطرة مروان من العالم الإسلامي يومها (الشام، ومصر) امتاز بالهدوء والاستقرار وخاصة بعد مقتل الضحاك بن قيس وتولي عبد الملك بن مروان أمر الام ومصر مما زاد في تثبيت دعائم حكم مروان وبنيه. رابعًا: لقد كان بنو مروان في عمل دؤوب وشغل شاغل وتقدم مستمر بينما كان ابن الزبير بطيئًا في خطواته وقد ينتظر ولا يحسم كما قال ابن عباس رضي الله عنه في رواية البخاري: "وإن ابن أبي العاص يمشي القدمية". أي: عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أي: أنه برز يطلب ما ينبغي من الأمور وتقدم بالهمة والفعل بينما قال في ابن الزبير: "وإنه لوّى ذنبه" أي: تأخر ابن الزبير بالفعل، أي: أنه وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء مواضعها، ولم يتم له ما أراده. =