الأولى، فأخرج الرجّالة في المواضع التي رأى إخراجَهم فيها، وأدخل عددًا من الشَّذَا النهر، ونشبت الحرب ودامت، وصَبر الفسَقة أشدّ صبر، وصبر لهم أصحاب الموفّق.
واستمدّ الفسقة طاغيتَهم، فوافاهم المهلبيّ وسليمان بن جامع في جيشهما، فقويت قلوبُهم عند ذلك، وحملوا على أصحاب الموفّق، وخرج سليمان كمينًا مما يلي جوى كور، فأزالوا أصحاب الموفّق حتى انتهوْا إلى سفنهم، وقَتلوا منهم جماعة وانصرف الموفّق ولم يبلغ كلّ الذي أراد، وتبيّن أنه قد كان يجب أن يحارب الفسقة من عدّة مواضع، ليفرّق جمعَهم، فيخفّ وطؤهم على مَنْ يقصد لهذا الموضع الصعب، وينال منه ما يحبّ، فعزم على معاودتهم، وتقدّم إلى أبي العباس وغيره من قوّاده في العبور واختيار أنجاد رجالهم، ووكّل مسرورًا مولاه بالنهر المعروف بمنكى، وأمره أن يخرج رجاله في ذلك الموضع وما يتصل به من الجبال والنخل، لتشتغل قلوب الفجَرة، وليروْا أنّ عليهم تدبيرًا من تلك الجهة، وأمر أبا العباس بإخراج أصحابه على جوى كور، ونظم الشذا على هذه المواضع حتى انتهى إلى الموضع المعروف بالدّباسين؛ وهو أسفل نهر الغربيّ، وصار الموفّق إلى نهر الغربيّ، وأمر قوّاده وغلمانه أن يخرجوا في أصحابهم فيحاربوا الفَسَقة في حصنهم ومعقلهم، وألا ينصرفوا عنهم حتى يفتح الله لهم، أو يبلغ إرادته منهم، ووكل بالسور مَنْ يهدمه، وتسرّع الفَسَقة كعادتهم، وأطمعهم ما تقدّم من الوقعتين اللتيْن ذكرناهما، فثبت لهم غلمان الموفّق، وصدقوهم اللقاء؛ فأنزل الله عليهم نصره، فأزالوا الفسقة عن مواقفهم، وقوِيَ أصحابُ الموفّق، فحملوا عليهم حملةً كشفوهم بها، فانهزموا وخَلَّوْا عن حصنهم، وصار في أيدي غلمان الموفّق فهدموه، وأحرقوا منازلهم، وغَنموا ما كان فيها، واتّبعوا المنهزمين منهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا، واستنقذوا من هذا الحصن من النساء المأسورات خَلْقًا كثيرًا، فأمر الموفّق بحملهنّ والإحسان إليهنّ، وأمر أصحابه بالرجوع إلى سفنهم ففعلوا، وانصرف إلى عسكره بالموفقيّة، وقد بلغ ما حاول من هذا الموضع.