ثمّ أُتِيَ بعبد الله بن عامر، فلما قدم بين يديه قال: لا رأتْ عيناك يا حجّاج الجنة إن أقلتَ ابن المهلب بما صَنَع، قال: وما صَنَع؟ قال:
لأنَّه كاس في إِطلاقِ أُسرَتِهِ ... وقادَ نحوَكَ في أغلالها مُضَرَا
وَقَى بقومِكَ ورد الموتِ أسرَتَه ... وكان قومُك أدنى عندَه خَطَرا
فأطْرَق الحجّاج مَلِيًّا، ووَقرَتْ في قلبه، وقال: وما أنتَ وذاك! اضرِب عنقَه، فضُربتْ عنقُه، ولم تزل في نفس الحجّاج حتى عَزلَ يزيدَ عن خُراسانَ وحَبَسه.
ثمّ أمر بفَيْروزَ فعذّب، فكان فيما عُذّب به أن كان يشُدّ عليه القصب الفارسيّ المشقوق، ثم يجرّ عليه حتى يخرّق جسدَه، ثم يُنْضَح عليه الخَلّ والمِلح، فلما أحسّ بالموت قال لصاحب العذاب: إن الناس لا يَشُكّون أني قد قُتلتُ، ولي ودائع وأموال عند الناس، لا تؤدَّي إليكم أبدًا، فأظهِروني للناس ليِعلَموا أني حيّ فيؤدّوا المالَ، فأعلم الحجاج، فقال: أظهروه، فأخرج إلى باب المدينة، فصاحَ في الناس: مَنْ عرَفني فقد عرَفني، ومن أنكَرني فأنا فيروزُ حصين؛ إنّ لي عند أقوامٍ مالًا، فمن كان لي عندَه شيء فهو له، وهو منه في حِلّ، فلا يؤدينّ منه أحد درهمًا، ليُبَلغ الشاهدُ الغائبَ، فأمر به الحجاج فقُتِل، وكان ذلك ممّا روى الوليدُ بن هشام بن قحذم، عن أبي بكر الهُذليّ. (٦/ ٣٧٩ - ٣٨١).
وذكر ضَمْرة بن ربيعة، عن أبي شَوْذب، أنّ عمّال الحجّاج كتبوا إليه: إن الخَراج قد انكسر، وإنّ أهَل الذمّة قد أسلموا ولَحقوا بالأمصار، فكَتَب إلى البَصْرة وغيرِها أنّ من كان له أصلٌ في قرية فليخرج إليها، فخرج الناسُ فعَسكرَوا، فجعلوا يَبكون وينادُون: يا محمّداه يا محمّداه! وجعلوا لا يدرون أين يذهبون! فجعل قرّاء أهل البصرة يخرجون إليهم متقنّعين فيبكون لما يَسمعون منهم ويَروْن، قال: فقدِمَ ابنُ الأشعثِ على تَفِيئةِ ذلك، واستبْصر قرّاء أهلِ البَصْرة في قتال الحجّاج مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث. (٦/ ٣٨١).
وذكر عن ضمرة بن ربيعَة عن الشيْبانيّ، قال: قَتَل الحجاجُ يوم الزاوية أحدَ عشر ألفًا، ما استحيَا منهم إلّا واحدًا، كان ابنهُ في كُتّاب الحجاج، فقال له: أتحبّ أن نَعفوَ لك عن أبيك؟ قال: نعم. فترَكَه لابنه؛ وإنما خدعَهم بالأمان، أمر مناديًا فنادى عند الهزيمة: ألا لا أمانَ لفلان ولا فلان، فسمَّى رجالًا من