قم؛ فقال له الحجاج: أبا عثمان، ما أخرَجك مع هؤلاء؟ فوالله ما لحمُك من لحومِهم، ولا دَمُك من دمائهم! قال: فتنةٌ عمّت الناس، فكنّا فيها، قال: اكتبْ لي أموالك، قال: ثمّ ماذا؟ قال: اكتبها أوّل؛ قال: ثمّ أنا آمِن على دمي؟ قال: اكتبها، ثمّ أَنظُر؛ قال: اكتبْ يا غلام، ألف ألف ألفيْ ألف، فذَكرَ مالًا كثيرًا، فقال الحجاج: أين هذه الأموال؟ قال: عندي، قال: فأدّها؛ قال: وأنا آمِن على دمي؟ قال: والله لتؤدّينها ثمّ لأقتلنك؛ قال: والله لا تَجمَع مالي ودمي، فقال الحجاج للحاجب: نَحِّهِ، فنحّاه.
ثمّ قال: ائتني بمحمد بن سعد بن أبي وقّاص، فدعاه، فقال له الحجاج: إيهًا يا ظِلّ الشيطان أعظمَ الناس تِيهًا وكِبرًا، تأَبى بيعةَ يزيدَ بن معاوية، وتشبّه بحسين وابن عُمر، ثمّ صرتَ مؤذنًا لابن كنارا عبد بني نصر - يَعْني عمر بن أبي الصَّلت - وجعل يَضرِب بعُود في يده رأسَه حتى أدماه؛ فقال له محمد: أيها الرجل، مَلكتَ فأسجح! فكَفّ يدَه، فقال: إن رأيتَ أن تكتبَ إلى أمير المؤمنين فإن جاءك عفوٌ كنتَ شريكًا في ذلك محمودًا، وإن جاءك غيرُ ذلك كنتَ قد أعذَرتَ، فأطرق مَلِيًّا ثمّ قال: اضرب عنقَه، فضُرِبت عنُقه.
ثمّ دعا بعمرَ بن موسى فقال: يا عبدَ المرأة، أتقوم بالعَمود على رأس ابن الحائك، وتَشَربَ معه الشراب في حمّام فارسَ، وتقول المقَالَة التي قلت! أين الفرزدق؟ قم فأنشِدْه ما قلت فيه. فأنشَدَه:
وخضَبْتَ أيْرَكَ للزِّناءِ ولم تكنْ ... يومَ الهِيَاج لتَخْضِبَ الأَبطَالا
فقال: أما واللهِ لقد رفعتُه عن عقائلِ نِسائك، ثمّ أمَر بضَرْب عنِقه.
ثمّ دعا ابنَ عبيد الله بن عبد الرحمن بن سَمرة، فإذا غلام حَدَث، فقال: أصلَحَ ألله الأمير! ما لي ذنبٌ، إنما كنت غلامًا صغيرًا مع أبي وأمي لا أمرَ لي ولا نَهْي، وكنت معهما حيث كانا، فقال: وكانت أمُّك مع أبيك في هذه الفِتن كلّها؟ قال: نعم، قال: على أبيك لعنةُ الله.
ثمّ دعا بالهلْقام بن نعيم فقال: اجعل ابنَ الأشعث طلَبَ ما طَلَب، ما الذي أمّلت أنتَ معه؟ قال: أمّلتُ أن يملك فيولّيني العرافَ كما ولّاك عبدُ الملك، قال: قم يا حَوْشَب فاضربْ عنقَه، فقام إليه، فقال له الهِلْقام: يا بن لقيطة، أتَنْكَأ القرح! فضرب عنقه.