للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجزيه الخير، ويأمره أن يقوم من أمر هارون بما لم يزل يقوم به، وأن يتولَّى أموره وأعماله على ما لم يزل يتولّاه. قال: فبعث الرّبيع إلى يحيى بن خالد - وكان يودّه، ويثق به، ويعتمد على رأيه: يا أبا عليّ، ما ترى؟ فإنه لا صبر لي على جرّ الحديد. قال: أرى ألَّا تبرح موضِعَكَ، وأن توجِّه ابنك الفضل يستقبله ومعه من الهدايا والطرَف ما أمكنك، فإني لأرجو ألّا يرجع إلَّا وقد كفيت ما تخاف إن شاء الله. قال: وكانت أمّ الفضْل ابنه بحيث تسمع منهما مناجاتهما، فقالت له: نصحك والله. قال: فإني أحبّ أن أوصي إليك، فإني لا أدري ما يحدث. فقال: : لست أنفرد لك بشيء، ولا أدع ما يجب، وعندي في هذا وغيره ما تحبّ، ولكن أشرك معي في ذلك الفضل ابنَك وهذه المرأة، فإنها جَزْلة مستحقّة لذلك منك. ففعل الربيع ذلك، وأوصى إليهم.

قال الفضل بن سليمان: ولما شغَب الجند على الرّبيع ببغداد وأخرجوا مَنْ كان في حبسه، وأحرقوا أبواب دوره في الميدان، حضر العباس بن محمد وعبد الملك بن صالح ومحرز بن إبراهيم ذلك، فرأى العبّاس أن يُرْضَوْا، وتطيب أنفسهم، وتفرّق جماعتهم بإعطائهم أرزاقهم، فبذل ذلك لهم فلم يرضوْا، ولم يثقوا مما ضُمِن لهم من ذلك، حتى ضمنه محرز بن إبراهيم، فقنعوا بضمانه وتفرّقوا، فوَفَى لهم بذلك، وأعطوا رزق ثمانية عشر شهرًا، وذلك قبل قدوم هارون. فلما قدم - وكان هو خليفة موسى الهادي - ومعه الربيع وزيرًا له، وجَّه الوفود إلى الأمصار، ونعى إليهم المهديّ، وأخذ بيعتَهم لموسى الهادي، وله بولاية العهد من بعده، وضبط أمر بغداد. وقد كان نُصير الوصيف شخص من ماسَبَذان من يومه إلى جُرجان بوفاة المهديّ والبيعة له، فلما صار إليه نادى بالرّحيل، وخرج من فوْره على البريد جوادًا ومعه من أهل بيته إبراهيم وجعفر، ومن الوزراء عبيد الله بن زياد الكاتب صاحب رسائله، ومحمد بن جميل كاتب جنده. فلما شارف مدينةَ السلام استقبله النّاس من أهل بيته وغيرهم، وقد كان احتمل على الربيع ما كان منه وما صنع من توجيه الوفود وإعطائه الجنود قبل قدومه، وقد كان الرّبيع وجَّه ابنه الفضل، فتلقّاه بما أعدّ له من الهدايا، فاستقبله بهمَذَان، فأدناه وقرّبه، وقال: كيف خلَفْتَ مولاي؟ فكتب بذلك إلى أبيه، فاستقبله الرّبيع، فعاتبه الهادي، فاعتذر إليه، وأعلمه السبب الذي دعاه

<<  <  ج: ص:  >  >>