للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتَّى تأتي على آخره! قال: فقرأته فإِذا كتاب قد ثلبه فيه كاتبه ثلْبًا عجيبًا، لم يبقِ له فيه شيئًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، مَنْ هذا الملعون الكذاب؟ قال: هذا صاحب الأندلس، قال: قلت: فالثلب والله يا أمير المؤمنين فيه وفي آبائه وفي أمهاته. قال: ثم اندرأت أذكر مثالبهم، قال: فسُرَّ بذلك، وقال: أقسمت عليك لما أمللت مثالبهم كلها على كاتب. قال: ودعا بكاتب من كتاب السرّ، فأمره فجلس ناحية، وأمرني فصرت إليه، فصدّر الكاتب من المهديّ جوابًا، وأمللتُ عليه مثالبهم فأكثرت، فلم أبْقِ شيئًا حتَّى فرغتُ من الكتاب، ثم عرضتُه عليه، فأظهر السرور، ثم لم أبرح حتَّى أمر بالكتاب فخُتِم، وجُعل في خريطة، ودُفع إلى صاحب البريد، وأمر بتعجيله إلى الأندلس. قال: ثم دعا بمنديل فيه عشرة أثواب من جِياد الثياب وعشرة آلاف درهم، وهذه البغلة بسرجها ولجامها، فأعطاني ذلك، وقال لي: اكتم ما سمعت.

قال الحسن: وحدّثني مِسوَر بن مساور، قال: ظلمني وكيل للمهديّ وغصبَني ضَيْعةً لي فأتيت سلَّامًا صاحب المظالم، فتظلمت منه وأعطيته رقعة مكتوبة، فأوصل الرّقعة إلى المهديّ، وعنده عمه العباس بن محمدّ وابن عُلاثة وعافية القاضي. قال: فقال لي المهديّ: ادنُهْ، فدنوت، فقال: ما تقول؟ قلت: ظلَمتَني، قال: فترضى بأحد هذين؟ قال: قلت: نعم، قال: فادنُ مني، فدنوت منه حتَّى التزقت بالفراش، قال: تكلّم، قلت: أصلح الله القاضي! إنَّه ظلمني في ضيعتي هذه، فقال القاضي: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: ضيعتي وفي يدي، قال: قلت: أصلح الله القاضي! سَلْهُ، صارت الضيعة إليه قبل الخلافة أو بعدها؟ قال: فسأله: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: صارت إليّ بعد الخلافة. قال: فأطلِقها له، قال: قد فعلت، فقال العبّاس بن محمَّد: والله يا أمير المؤمنين لَذا المجلس أحبّ إليّ من عشرين ألف ألف درهم.

قال: وحدّثني عبد الله بن الرَّبيع، قال: سمعتُ مجاهدًا الشاعر يقول: خرج المهديّ متنزّهًا، ومعه عمر بن بزيع مولاه، قال: فانقطعنا عن العسكر، والنّاس في الصيد، فأصاب المهديّ جوع، فقال: ويحك! هل من شيء؟ قال: ما من شيء، قال: أرى كوخًا وأظنّها مبقلة، فقصدنا قصدَه، فإذا نَبَطِيّ في كوخ ومبقلة، فسلّمنا عليه، فردّ السَّلام، فقلنا له: هل عندك شيء نأكل؟ قال: نعم

<<  <  ج: ص:  >  >>