وأمرتُ خَتَنِي عبد الله بن زَمْعة - وكانت ابنتها زينب بنة أبي سَلَمة عند عبد الله بن زمعة - فأتاه جابر فبايعه، وهدّم بُسْر دُورًا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى أن يقتلَه، فقال له بُسر: ما كنتُ لأفعلَ بصاحب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ فخلّى عنه، وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى اليَمن: إنّ خيلًا مبعوثةً من عند معاوية تَقتُل الناس، تقتُل مَن أبَى أن يقرّ بالحكومة. ثم مضى بُسر إلى اليَمَن، وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملًا لعليّ، فلما بلغه مسيرُه فرّ إلى الكوفة حتى أتى عليًّا، واستخلف عبدَ الله بن عبد المَدان الحارثيّ على اليَمَن، فأتاه بُسر فقتله، وقتل ابنَه، ولقي بُسر ثَقَل عبيد الله بن عباس، وفيه ابنان له صغيران، فذبَحهما، وقد قال بعض الناس: إنه وجد ابني عبد الله بن عباس عند رجل من بني كنانةَ من أهل البادية، فلما أراد قتلَهما قال الكنانيّ: علامَ تَقتُل هذين ولا ذنب لهما! فإن كنتَ قاتِلَهما فاقتلني، قال: أفعل؛ فبدأ بالكنانيّ فقتله، ثم قتلَهما ثمّ رجع بُسْر إلى الشأم، وقد قيل: إن الكنانيّ قاتل عن الطفلين حتى قُتِل، وكان اسمُ أحدِ الطفلين اللذَين قتلَهما بُسْر: عبد الرحمن، والآخر قُثَم. وقَتل بُسر في مسيره ذلك جماعةً كثيرةً من شِيعة عليٍّ باليمن. وبلغ عليًّا خبرُ بُسر، فوجّه جارية بن قُدامة في ألفين، ووهْب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى أتى نَجْران فحرّق بها، وأخذ ناسًا من شِيعة عثمانَ فقتلهم، وهَرَب بُسْر وأصحابُه منه، وأتبعهم حتى بلغ مكة، فقال لهم جارية: بايعونا؛ فقالوا: قد هلك أميرُ المؤمنين، فلمن نبايع؟ قال: من بايَعَ له أصحابُ عليّ، فتثاقلوا: ثمّ بايعوا. ثمّ سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلِّي بهم، فهرب منه، فقال جارية: واللهِ لو أخذتُ أبا سِنَّوْر لضربتُ عنقَه، ثم قال لأهل المدينة: بايِعوا الحسنَ بن عليّ: فبايَعوه وأقام يومَه، ثم خرج منصرِفًا إلى الكوفة، وعاد أبو هريرة فصلَّى بهم (١). (٥: ١٣٩/ ١٤٠).
وفي هذه السنة - فيما ذكر - جرتْ بين عليٍّ وبين معاويةَ المهادنة - بعد مكاتبات جرتْ بينهما يطول بذكرها الكتاب - على وَضْعِ الحرب بينهما، ويكون لعليٍّ العراق ولمعاويةَ الشأم، فلا يدخل أحدُهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غَزْو.