هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف - عليه السلام - من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصر لما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها، بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أي أخلاط أحلام من الليل، لعله لا تعبير لها، ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك. ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْويلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} فعند ذلك تذكر الناجي منهما، الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا، وذلك عن تقدير الله عزَّ وجلَّ وله الحكمة في ذلك. فلما سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار. ولهذا قال تعالى: {وَقَال الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ} أي تذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد مدة من الزمن فقال لقومه وللملك: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْويلِهِ فَأَرْسِلُونِ} أي فأرسلون إلى يوسف فجاءه فقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}. فبذل يوسف - عليه السلام - ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط، ولا طلب الخروج سريعًا، بل أجابهم إلى ما سألوه، وعبر لهم ما كان من منام الملك، الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها. فعبر لهم، وعلى الخير دلهم، وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم، وما يفعلونه من ادخار حبوب سني الخصب في السبع الأوَل في سنبله، إلا ما يرصد بسبب الأكل، ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم. {وَقَال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَال ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَال مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيهِ مِنْ سُوءٍ قَالتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: ٥٠ - ٥٣]. لما أحاط الملك علمًا بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله، ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته، ليكون من جملة خاصته. فلما جاءه الرسول بذلك، =